المعادلة واضحة: التزام الهدوء وردع بوتين وتقوية «البلطيق»
الحرب جحيم حقيقي ولا يمكن وصف المشاهد المريعة الصادرة من منطقة «بوتشا» الأوكرانية، حيث يؤكد الفيديو الذي عرضه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بعد خطابه أمام مجلس الأمن يوم الثلاثاء، على الهمجية التي يستطيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعمالها ضد دولة ديموقراطية، إنه جرس إنذار حول ما يمكن أن يصيب دولاً مجاورة أخرى إذا لم يجد بوتين من يردعه.انتقد زيلينسكي جمود الأمم المتحدة في تعاملها مع الحرب الروسية بأسلوب لاذع، فقال: «العالم وقف على الهامش ولم يرغب في رؤية احتلال شبه جزيرة القرم، أو الحرب ضد جورجيا، أو حتى استبعاد مولدوفا من منطقة ترانسنيستريا قبل ذلك، كما أنه لم يشأ أن يلاحظ تحضيرات روسيا لخوض صراعات وحروب أخرى بالقرب من حدودها».منذ لحظة اجتياح روسيا لأوكرانيا قبل ستة أسابيع، أصبح احتمال أن يؤذي بوتين الدول المجاورة لبلده الموضوع الذي يشغل الجميع، لا سيما التهديد المطروح على دول البلطيق التي تنتمي إلى حلف الناتو وتحظى بالحماية بموجب المادة الخامسة، فتبدو إستونيا ولاتفيا وليتوانيا ضئيلة فردياً وجماعياً عند مقارنتها بأوكرانيا التي تساوي حجم ولاية تكساس، لكنّ تجارب هذه الدول مع الاحتلال السوفياتي تمنحها وجهة نظر واضحة حول مخاطر نزعة بوتين الانتقامية، حتى أن خبرتها في هذا المجال تسمح لها بإبلاغ الناتو بأفضل طريقة للتعامل مع بوتين.
يقول جوناثان فسيفيوف، أمين عام وزارة الخارجية الإستونية، إن الحرب الروسية هي رد على انحياز أوكرانيا إلى الديموقراطية والغرب، فهو يظن أن الغرب لم يؤثر على نمط تفكير بوتين فحسب، بل على أعصابه أيضاً، ويدعو الناتو إلى عدم التمسك بأمجاده الغابرة، رغم نجاح الأوكرانيين في كبح خطط بوتين الرامية إلى السيطرة على البلد سريعاً، وفي الوقت نفسه، لا يعتبر فسيفيوف مفاوضات السلام الأولية حقيقية، والأهم من ذلك برأيه هو ألا يتراجع الغرب فيما يحاول بوتين إضعاف التحالف.يضيف فسيفيوف: «يجب أن نحافظ على هدوئنا بكل بساطة ونتابع القيام بما نفعله منذ عقود ولا نقع في هذا الفخ»، يتعلق الفخ الحقيقي برأيه بمقاربة العقوبات والمكافآت التي يستعملها بوتين، فبعد المجزرة المرتكبة في «بوتشا» وقصف المدنيين في أنحاء أوكرانيا، أصبحت طبيعة العقوبات واضحة، أما المكافآت المحتملة، فهي تتعلق بإجراء مفاوضات سلام في تركيا، لكن يعتبرها فسيفيوف مجرّد أمل زائف لمحاولة إقناعنا بأن شكلاً معيّناً من السلام أصبح وشيكاً مع أن الواقع ليس كذلك بالضرورة. أكثر ما يثير الرعب هو أن «بوتشا» قد لا تكون المكان الوحيد الذي يرتكب فيه بوتين جرائم حرب، قال زيلينسكي في خطابه أمام الأمم المتحدة محذراً: «العالم لم يشاهد بعد ما فعلوه في المدن والمناطق المحتلة الأخرى من بلدنا، فقد تكون الجغرافيا مختلفة، لكنّ مظاهر الوحشية والجرائم متشابهة».وفي إشارة إلى أخذ هذه التحذيرات بالاعتبار، قال الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة في لجنة القوات المسلّحة في مجلس النواب الأميركي، يوم الثلاثاء الماضي، إن الحلفاء الأوروبيين يجب أن يفكروا في إنشاء قواعد دائمة في الجناح الشرقي لحلف الناتو، وستكون القواعد العسكرية تجسيداً ملموساً ومفيداً لطموحات دول البلطيق، لكن يظن فسيفيوف أن الحلف يجب أن يغيّر موقفه بعد زيادة احتمال أن يلجأ بوتين إلى استعمال الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية أو النووية لإخضاع أوكرانيا.أخيراً، يستنتج فسيفيوف: «يجب ألا نخاف من قوتنا، بل نصبح أكثر ميلاً إلى استعمال هذه القوة لتحقيق أهدافنا السياسية، أي الدفاع عن الحرية والنظام العالمي الذي يرتكز على قواعد واضحة وكنا قد ضحّينا بالكثير لبنائه. هذه الحرب تفرض علينا أن نتحلى بالصبر الاستراتيجي، فربما لم يقع الأسوأ بعد، لذا يجب أن نُركّز على المستقبل».* جوناثان كيبهارت