عمل قلعي في المسرح والإذاعة والتلفزيون، لكنه وجد نفسه دائماً في المسرح، لأنه من الطبيعي أن يجد الفنان التجاوب الحقيقي مع الجمهور عند الاتصال المباشر، كما أن مشاعر الخوف على خشبته قد تدل على قوة الفنان وتقدم صورة واضحة عنه. يرى نهاد أن الإقبال على المسرح ضعيف جداً، وقد يكون السبب هو الناحية المادية. ويبقى المسرح من وجهة نظره هو أبو الفنون، لأن معظم مشاهير العالم السينمائيين هم من خريجي المسرح.
وتمنى لو أُسقطت بعض الأفكار، التي سبقت، على العمل المسرحي، إضافة إلى الجهود التي بذلها قلعي لأجله، خصوصاً عند تواجده مديراً للمسرح القومي عدة سنوات. لكن جهوده كانت في مراحل التأسيس، وفي وقت لم يكن لدى المسؤولين أي أمل في حصول جدوى من ذلك، إضافة إلى عدم وجود أهم وسائل العمل، وأولها الفنان والنصوص والمسرح كمكان. رغم ذلك استطاع أن يؤسس لتشكيل فرقة مسرحية استمرت فترة طويلة. ووصف قلعي التلفزيون، بعد فترة من تأسيسه، بالعمل المخيف لابتلاعه كمية هائلة من الأعمال، فهو متطلب جداً في بلد إمكانياته الفنية محدودة، إضافة إلى دخوله كل بيت، فتصبح المسؤولية أكبر مع توسع شريحة الجمهور. كما رأى أنه مجبر على مشاهدة التلفزيون، وهو يشبهها بالأعمال الشاقة، متمنياً على نفسه والآخرين عدم التشاؤم بشكل زائد. وأضاف: إن ما نراه على الشاشة لا يرقى إلى مستوى طموحنا، ونتمنى الأفضل دائماً، متسائلاً عن البسمة التي تستجرها الأعمال الكوميدية الحالية، وأين الكوميديا فيها! ووصف البرامج التي تقدم بأنها خالية من الكوميديا، مستثنياً فترة ظهور الفنان ياسر العظمة في أعمال جديدة كوميدية، معتبراً إياها الوحيدة التي قدمت الكوميديا في تلك الفترة. وفي حوار معه، اعترض قلعي على وصف الكوميديا بالتهريج وبأن هدفها الوحيد هو الضحك، بل كان غير مؤمن هو وصديقه دريد بعدم صحة هذه المقولة، فلابد من وجود هدف إضافة للضحك. ويستجيب قلعي عند تعامله مع المخرج لكل ملاحظاته، ولا يتدخل في العمل إلا إن كانت لديه وجهة نظر من الممكن أن يعرضها على المخرج فيوافق أو لا. عندما طُلب من الفنان قلعي في حوار تلفزيوني اختيار مشهد مؤثر له ومحبب لذاته تأسف على الأعمال القديمة التي محيت من الأرشيف من مسرحيات وغيرها، لكنه اختار مشهداً من عمل «ملح وسكر»، وفي المشهد يأتي خبر إلقاء القبض على غوار الطوشة، بعد أن قام بتزوير ورقة «لا حكم عليه»، في الوقت الذي يقوم فيه حسني البورظان بإجراء نقد ذاتي لأهالي الحارة الشعبية الموجودين بأنهم كانوا السبب في ذلك.
«صح النوم»
كان عام 1973 عاماً لتغيير كبير في الدراما السورية الكوميدية، حيث تم إنتاج المسلسل الكوميدي الأكثر شهرة بين المسلسلات الكوميدية «صح النوم»، الذي كتبه نهاد قلعي وأخرجه خلدون المالح، وفي العمل أضيفت شخصيات كوميدية جديدة شكلت علامة فارقة، كصاحبة الأوتيل «فطوم حيص بيص»، والتي أدت دورها الفنانة نجاح حفيظ وصديق «غوار» المشكلجي «أبو عنتر»، الذي أدى دوره الفنان السوري ناجي جبر، وشخصية «ياسينو» الفتى الذي يعمل عند «فطوم»، وكان الفنان ياسين بقوش مبدعاً في أداء تلك الشخصية، و«أبوجاسم» بائع الخيار، و«أبوصياح» اللحام، ومن الشخصيات المؤثرة في العمل كانت شخصية «بدري أبو كلبشا» مدير المخفر وصاحب المقولة الشهيرة فيه «أنفي لا يخطئ»، وأدى هذه الشخصية الفنان المسرحي السوري المعروف عبداللطيف فتحي. وبحسب رأي النقاد، فإن للعمل الفضل في تخليد كل من شارك فيه من نجوم. الجزء الأول من «صح النوم» تم تصويره في استديوهات لبنان، في حين صور جزؤه الثاني في استديوهات التلفزيون الأردني في عمان – الأردن، في محاولة للإنتاج التلفزيوني الخاص، بعيداً عن التلفزيون السوري، ليكون أول مسلسل عربي بجزأين، ومعه تمثيلية متممة بعنوان «ملح وسكر»، وفيلم سينمائي حمل نفس الاسم. حقق «صح النوم» نجاحاً غير مسبوق في العالم العربي. وعبر قلعي عن رضاه التام، معتبراً هذا العمل هو الأكثر تميزاً، كما أنه قرّب الثنائي «حسني وغوار» من الجمهور بشكل كبير، خصوصا أنه انتشر عربياً. وعلى الرغم من نجاح العمل، فقد كتبت إحدى الصحف عن العمل، بعد عرضه على الشاشة الكويتية عام 1973: إن مسلسل صح النوم هو أفضل هدية تقدم لإسرائيل، حتى تقول لكل العالم انظروا هذا حال العرب؛ مأساتهم انتهت بهم إلى أن يضحكوا على أنفسهم، في سهرة ممتعة ينامون بعدها هنيئا مريئا. أما فيلم «صح النوم»، الذي أنتج سنة 1975، فيروي قصة صديقين، أحدهما يعمل موظفاً في فندق عادي، وتقيم في نفس الفندق فتاة يحبها، ويعيش رسام في نفس المكان أيضاً منذ فترة طويلة. الفتاة تحب الرسام، الأمر الذي يخلق الغيرة والصراع بين الشابين. أخرجه خلدون المالح، والممثلون هم: نجاح حفيظ وناجي جبر وياسين بقوش وعبداللطيف فتحي ومحمد الشماط ومحمد العقاد وعمر حجو. . . وغيرهم.آخر أفلامه
يُرجع قلعي النجاح، الذي حققه مع لحام في السينما، إلى ما سماه «العاطفية» التي تميز بها أول فيلم لهما وانطلقا من خلاله، وهو «عقد اللولو»، على الرغم من عدم الرضا عن مجمل الأعمال التي قام بهما الثنائي. فكانت فترة منتصف السبعينيات هي نهاية العمل السينمائي، حيث اختتمت بفيلمين: الأول «المزيفون» سنة 1975 مأخوذ عن قصة المفتش العام لـ «جوجول»، وتدور الأحداث حول إحدى القرى التي يحكمها عمدة فاسد يظلم السكان، وتصل شكاوى كثيرة من الأهالي إلى العاصمة، فتقرر السلطات إرسال مفتش متخفٍ ليعرف حقيقة الأمر، ويستطيع العمدة معرفة هذه المعلومات، في ذلك الوقت يصل شاب غريب إلى القرية، فيعتقد الحاكم أنه المفتش ويعامله باحترام خوفاً منه، فيستغل الشاب الموقف في تحقيق مطالب أهل القرية، ويقع في حب ابنة العمدة. الممثلون: طروب وعمر حجو وصباح الجزائري وعدنان بركات وياسين بقوش وعبدالمولى غميض ورياض نحاس وشاكر بريخان وهيثم جبر. . . وغيرهم. وأخرجه يوسف شرف الدين، وألفه دريد لحام. وفيلم «عندما تغيب الزوجات» في نفس العام كان آخر أفلامه، ويحكي عن غوار الموظف الذي يعمل نهارا كحارس على الشاطئ، ونحاتاً في الليل، يسكن مع صديقه حسني، ويعاني الاثنان من سفر زوجتيهما الدائم. وضمن الأحداث تخطط عصابة لسرقة تمثال من المتحف، الذي يعمل فيه غوار، وتوكل المهمة إلى فتاتين جميلتين تتجسسان على غوار، من خلال سكنهما في شقة مقابلة، وتحاولان إيقاع الصديقين بغرامهما. وهو من تأليف فارس يواكيم، وإخراج مروان عكاوي، والممثلون هم إيمان وعبداللطيف فتحي ونجاح حفيظ ومحمد العقاد. . . وغيرهم. يذكر أن النصف الأول من فترة السبعينيات شهد تعاونا سينمائيا في عدة أفلام، منها «الصديقان» و«الرجل المناسب» عام 1970 و«امرأة تسكن وحدها» و«الثعلب» وفيلم «1+1» عام 1971.ضيعة تشرين
بعد سلسلة النجاحات المتواصلة أسّس لحام وقلعي مع عدد من الفنانين «مسرح تشرين»، وقدما من خلاله «ضيعة تشرين» التي كتبها الشاعر السوري الكبير محمد الماغوط، في سبعينيات القرن الماضي، إبان تشكيل دستور جديد لسورية في تلك المرحلة. تتحدث المسرحية عن مرحلتين، قبل وبعد حرب تشرين بين سورية وإسرائيل، والظروف الاجتماعية ضمن قالب كوميدي ساخر. أنتجت عام 1974، وأخرجها المخرج السوري خلدون المالح، وانتقلت فرقة المسرحية بين أغلب الدول العربية لعرضها، وقد نالت استحسان الجمهور والنقاد على حدٍ سواء. يذكر أن هذه المسرحية لم تُطبع ومُثلت على المسرح عام 1973-1974، والأداء كان لفنانين نجوم سوريين هم: دريد لحام (غوار الطوشة)، ونهاد قلعي (المختار)، وملك سكر (زينة)، وأسامة الروماني (نايف)، وعمر حجو (أبو نارة)، وصباح الجزائري (غندورة)، وياسر العظمة (الناطور)، وفاديا خطاب (زوجة غوار)، وشاكر بريخان (الأستاذ)، وحسام تحسين بيك (الصحافي). في أحد أجزاء المسرحية يعتاد أهل الضيعة على قرارات مختارهم بفرض حظر التجول لليلة واحدة وعلى فترات متباعدة، وكان حظر التجول مرتبطاً دائماً بـ»تهريبة» ينوي المختار القيام بها، بحكم أن «ضيعته» هي قرية حدودية. ومن أشهر الحوارات في المسرحية:«شو يعني بيك؟ مين حكمك على هالمساكين؟ ولك الدستور. . . أنو دستور؟ دستور الضيعة. . . ورجيني الدستور. . . الدستور بالخِرج. . . وين الخِرج؟ عالحمار. . . وين الحمار؟ موقوف. . . ليش؟ أكل الدستور. . . (لك كيف انهضم معه هيك دستور؟!)» وهي أشهر جملة للفنان دريد لحام من المسرحية. 1976«غربة»
مسرحية اجتماعية سياسية هادفة، قام فيها محمد الماغوط بمساعدة نهاد ودريد بإسقاط أحداث فترة السبعينيات الاستثنائية، التي تعكس واقع الدول العربية بشكل ساخر ونصٍ محبوك بذكاء شديد، على ضيعة منسية يحكمها أحد البكوات المفرطين باستبدادهم، فتتغير أحوال الضيعة وأهلها مع تطور آرائهم والتغييرات الجذرية السياسية والاجتماعية، بالإضافة للانقلابات والثورات في كل المنطقة العربية. ورشحت لأن تكون واحدة من أهم المسرحيات العربية، التي تجسد واقع الأمة العربية ككل، خلال القرن العشرين. كما أن العديد من أحداث المسرحية يصلح تطبيقه على أي سياق سياسي في كل زمان ومكان، وهي تتلخص في هروب الفنان نهاد قلعي من ضيعته (قريته)، وتوجهه نحو ضيعة أخرى مختارها (عمدتها) دريد لحام، طالباً البقاء والاستقرار فيها، غير أن طلبه قوبل بالرفض، ولكن نهاد قلعي لم يستسلم وحاول بشتى الطرق المكوث في تلك الضيعة وعدم الرجوع لضيعته الأصلية، فسأل دريد لحام عن إمكانية وجود أي حل للبقاء في هذه الضيعة، فأخبره الأخير بأنه يمكنه البقاء فيها بشرط واحد فقط. وهو أن يكون لاجئاً سياسياً، فلما سأل عن كيفية أن يكون لاجئاً سياسياً، أجابوه: «يجب أن تشتم بلدك!»، فما كان من بطل المسرحية إلا المسارعة والجهر بشتم بلده بدون تردد، وهو ما أعقبه تهنئة مختار الضيعة له قائلاً: «. . . الآن أصبحت لاجئاً سياسياً!”. حققت هذه المسرحية كسابقتها رواجاً كبيراً، وعُرضت على مسارح عدد كبير من الدول العربية، أخرجها خلدون المالح أيضاً، وشارك دريد ونهاد التمثيل مع كل من ياسر العظمة، وصباح الجزائري، وعمر حجو، وسامية الجزائري، وباقي أعضاء فرقة تشرين المسرحية. كتبها محمد الماغوط ودريد لحام، وأخرجها: دريد لحام وخلدون المالح. والممثلون: دريد لحام، ونهاد قلعي، وأسامة الروماني، وصباح الجزائري، وعمر حجو، وسامية الجزائري، وشاكر بريخان، وعبدالهادي الصباغ، وحسام تحسين بيك، وياسر العظمة، وخديجة العبد، وصباح خطاب، ومها المصري، ومحمد الشيخ نجيب، وأيمن بهنسي. كلمات الأغاني والألحان: شاكر بريخان، وشاركت في العرض فرقة تشرين السورية. اعتبر قلعي، في حوار تلفزيوني، أن مسرحية «ضيعة تشرين» كانت النقطة المضيئة الأكبر في مراحل تعاونه الأخير مع دريد لحام، والتي سبقها مسرحية «عقد اللولو». ومن المسرحيات التي قدماها معاً «مساعد المختار» و«الصعلوك العظيم». ومن المؤكد أن «ضيعة تشرين» و«غربة»، التي جاءت بعدها، كانتا عملين جيدين من ناحية النص، لكنه اعتبر «ضيعة تشرين» أفضل لأنها محبوكة دراميا بشكل أفضل من «غربة»، حيث استطاع كاتبا المسرحية الشاعر الراحل محمد الماغوط والفنان دريد لحام تجاوز فترة طويلة من التاريخ السوري بمشاهد صغيرة وبفترة قصيرة جداً، وبرعا في ذلك. كما اعتبر أن الخلط بين الواقعية والرمزية في «غربة» كان خطيئة بتلك المسرحية.كاتب هاوٍ يجرب الكتابة!
اشترك قلعي مع دريد لحام في تخطيط وكتابة نصوص أعمالهما معا، لكن كان النصيب الأكبر لقلعي في الكتابة، حيث يؤكد البورظان أن عملهما المشترك كان الهدف منه نجاح ذلك البرنامج وليس الشخصيات بحد ذاتها، فمن غير المهم لنهاد مَن المخرج أو الكاتب أو غيره، المهم نجاح العمل. ويصف قلعي نفسه بالكاتب الهاوي وبأنه مجرد شخص جرب عدة محاولات في الكتابة، مؤكداً أن معظم الأعمال التي مثلها شارك في كتابة دور الشخصية. وتبقى شخصية حسني هي المفضلة لديه، ولا فرق مطلقا بين شخصيتي قلعي الكاتب وقلعي الفنان، بل يوجد تكامل وارتباط بينهما، مفتخراً بأنه والفرقة الصغيرة التي أسسها مع زملائه كانت الفرقة التي استحقت شرف المشاركة على مسارح القاهرة، بعد الفنان المسرحي السوري الكبير «أبو خليل القباني»، على الرغم من أن من انتسبوا لتلك الفرقة كانوا من الهواة، وحققت نجاحا كبيرا ونتائج كبيرة أولها تأسيس المسرح القومي في سورية.