لم يكن تصنيف مؤشر موقع QS بشأن تراجع مستوى جامعة الكويت لعام 2022 بـ 200 مركز عن تصنيف عام 2021 إلى ترتيب الفئة 1001 على مستوى العالم، بعد أن كانت ضمن الفئة 801، صادماً لمن يتابع حالة الإدارة في الكويت منذ بداية الألفية الجديدة بقدر ما كان معبّراً عن صورة جديدة من صور الإخفاق في تقديم خدمة مهمة - وهذه المرة في التعليم العالي - رغم إنفاق أو هدر مليارات الدنانير.
ضخامة وفخامة
فجامعة الكويت، التي أنفقت ما يوازي 2.8 مليار دينار من إجمالي 3.5 مليارات على مبانيها الجديدة الفخمة في منطقة الشدادية، وتحدد لها ميزانية هي الأعلى من بين المؤسسات المستقلة على مستوى الدولة في حدود 560 مليون دينار سنوياً، لم تستطع بهذه المليارات أن تمنع تدهور تصنيفها خلال السنوات العشر الأخيرة بنحو 400 مركز في تصنيف الجامعات العالمية، خصوصاً من جهة عدم تحقيقها تقدّماً بالأوازن المؤثرة في تصنيف QS الذي يعتمد على مجموعة من المعايير كالسمعة الأكاديمية أو نسبة الطلاب مقابل أعضاء هيئة التدريس ومدى جاذبية الجامعة للطلاب وللأساتذة.ورغم المصروفات الضخمة لجامعة الكويت، فإن أوجه إنفاقها على البحث العلمي لا تتجاوز النصف في المئة من ميزانياتها، وعدد البحوث العلمية السنوية الصادرة من أساتذتها لا يتناسب مع المزايا المالية لمنتسبيها، فضلا عن تعرّضها لضغط سياسي منذ أكثر من 15 عاماً في قبولها أعداد طلاب تتجاوز طاقتها الاستيعابية، بل إنها ظلّت دون «مدير أصيل» لنحو 3 سنوات.وحسب تصنيف QS، فإن جامعة الكويت - وهي بالمناسبة... كانت قِبلة لطلاب وطالبات دول الخليج حتى منتصف الثمانينيات - حلّت خليجياً في الترتيب الـ 16، وعربياً في الترتيب الـ 27، مما يشير الى أزمة كفاءة عميقة ليست فقط مقارنة بدول العالم، بل أيضاً مع دول الإقليم والمحيط التي لا تمتلك العديد منها ربما 10 في المئة ممّا تملكه جامعة الكويت من إمكانات مالية وإنشائية وغيرها من التسهيلات والامتيازات.أزمة كفاءة
ولعله من الإنصاف القول إن أزمة الكفاءة التي تعانيها الكويت في السنوات الأخيرة، خصوصا من جانب إنفاق المليارات دون تحقيق العائد الخدمي المتوقع ليست مرتبطة فقط بالجامعة، وإن كانت من ناحية هي أحدث صور الإخفاق، ومن ناحية أخرى فإن أزمة الكفاءة هنا تمسّ صرحاً أكاديميا كان نموذجاً لنجاح الكويت في فترة ازدهارها، وشاهداً اليوم على تراجعها، ناهيك بالأثر السلبي لتراجع مستوى الجامعة على التعليم وسوق العمل، إلا أن صور الإخفاق رغم إنفاق المليارات عديدة ومتنوعة.فمثلاً، تنفق الكويت على التعليم العام نحو 2.1 مليار دينار، أي 9 بالمئة من مصروفات الميزانية، وبغضّ النظر عن ترتيب الكويت المتردي عالميا في جودة التعليم العام، فإن وزارة التربية لم تستطع حتى إعادة التعليم إلى مستواه المتواضع قبل الجائحة، رغم نجاح معظم دول العالم في هذه المهمة البسيطة.إنفاق بلا عائد
وفي الإنفاق بلا عائد تتعدد الأمثلة، ومنها مؤسسة الرعاية السكنية التي رصدت منذ نحو 10 سنوات 7 مليارات دينار لتنفيذ مدن إسكانية، فلا تزال الأزمة الإسكانية تمسّ بشكل مباشر أكثر من 150 ألف أسرة كويتية بالتوازي مع ارتفاع لا يكاد يتوقف في أسعار العقار السكني والإيجارات، فيما تستهلك وزارة الصحة سنويا مصروفات قدرها 2.7 مليار دينار، بما يوازي 11 بالمئة من ميزانية الدولة، وفي الوقت نفسه تتوسع فيما يُعرف بـ «العلاج في الخارج» وتأمين المتقاعدين وفق برنامج عافية، مع أن ميزانية وزارة الصحة يفترض لو توافرت فيها الإدارة الحصيفة أن توفر أفضل الخدمات العلاجية والرعاية الصحية لهاتين الفئتين، بدلاً من أن تخرجهما من خدمتها.أما القطاع النفطي الذي يعد الأعلى مقارنة بأي قطاع آخر من ناحية الرواتب والمزايا المالية والوظيفية، والتي تناهز قيمتها 1.6 مليار دينار، فلم ينجح في تنفيذ أي مشروع استراتيجي خلال السنوات الأخيرة، بخلاف مشروع الوقود البيئي أخيراً مقابل إخفاقات في عدد من المشاريع؛ أهمها مصفاة فيتنام وإلغاء مشروع الدبدبة للطاقة الشمسية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مسألة دمج مؤسسة البترول الكويتية لشركاتها النفطية سعياً لترشيق القرار وتقليص المصروفات الإدارية والرأسمالية دخلت عامها الرابع دون اتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه.نموذج إضافي
كما تمثّل ما يُعرف بالحيازات الزراعية وأراضي الثروة الحيوانية نموذجا إضافيا على الإنفاق دون تحقيق العائد، إذ زادت الدولة الرقعة النباتية المخصصة للزراعة خلال السنوات العشر الماضية بـ 22 بالمئة، في حين تراجعت نسبة الاكتفاء الذاتي من الخضراوات الطازجة من 46 بالمئة لعام 2015 إلى 42 بالمئة لـ 2019، كذلك تراجع الاكتفاء الذاتي من الأعلاف الخضراء من 90 بالمئة في عام 2015 إلى 46 بالمئة عام 2019، كما امتد التراجع في نسب الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء من 24 بالمئة لعام 2015 إلى 21 بالمئة لـ 2019، رغم زيادة حجم حيازات الإنتاج الحيواني «الجواخير» بـ 40 في المئة خلال السنوات الـ 10 ماضية.تراجع الكويت
لا شك في أن تراجع الكويت في العديد من المؤشرات الاقتصادية والخدمية العالمية الخاصة بالتعليم والصحة وبيئة الأعمال وجودة البيئة وكفاءة الطرق والحرية الاقتصادية والانتشار التكنولوجي، وغيرها، تزامن مع تصاعد قوي في الميزانية العامة للدولة للإنفاق على أوجه لا تلبي النتائج المرجوة منها، مما يبين أن أزمة الكويت لم تكن يوماً في سيولتها المالية، بل في انخفاض كفاءة إدارتها التي تستنزف ثرواتها وتخفض جودة خدماتها.