أثار اقتحام الجيش الإسرائيلي المسجد الأقصى والاعتداء على الفلسطينيين بداخله انتقادات عربية وإسلامية وأعاد شبح مواجهة واسعة تشبه ما حدث العام المنصرم. ورغم الحراك الذي قامت به إسرائيل عشية حلول شهر رمضان، والاتصالات التي أجرتها مع الأردن ومصر وتركيا والسلطة الفلسطينية لتجنب التصعيد، فإن التصرفات الإسرائيلية وإقدام الجيش الإسرائيلي على قتل عشرات الفلسطينيين في أيام قليلة فاقم العنف.
ومنذ مارس، قتلت القوات الإسرائيلية 29 فلسطينياً أثناء مداهمات في الضفة الغربية بعد أن قتل مهاجمون فلسطينيون 14 إسرائيلياً في سلسلة من الهجمات بالمدن الإسرائيلية وآخرها تل أبيب.
ملثمون ومؤامرة
وبذريعة «التصدي لأعمال شغب وإشعال عشرات الملثمين مقذوفات وإلقائهم الحجارة باتجاه حائط المبكى»، اقتحمت قوات الشرطة الإسرائيلية بأعداد كبيرة فجر الجمعة باحات المسجد الأقصى والمصلى القبلي وهاجمت المصلين وأصابت أكثر من 344 بجروح مختلفة جراء الرصاص المطاطي وقنابل الغاز والضرب واعتقال نحو 500 آخرين تم الإفراج عن 100 منهم.وفي حين تحدثت الشرطة الإسرائيلية عن إصابة 3 من أفرادها، تحدثت تقارير إسرائيلية عن مؤامرة لـ»حماس» للتصعيد ودفع أموال لشبان للقيام بالتصعيد وتخريب ما تم الاتفاق عليه مع مصر والأردن وتركيا.وعقب الاقتحام، اندلعت مواجهات في بعض مناطق الضفة الغربية مع الآلاف القادمين من كل الأراضي المحتلة لأداء صلاة الجمعة الثانية من شهر رمضان. كما شهدت مدينة الخليل اشتباكات استمرت طوال ليل الجمعة- السبت، وداخل الخط الأخضر، استخدمت القوات الإسرائيلية الغازات المسيلة للدموع لتفريق مظاهرة لأهالي مدينة أم الفحم.إعلان حرب
ووصفت الرئاسة الفلسطينية اقتحام الأقصى بإعلان حرب، مشددة على أن الشعب الفلسطيني لن يسمح لقوات الاحتلال والمستوطنين بالاستفراد بالمسجد الأقصى وسيدافع عنه، معتبرة أن ما تعرض له الحرم القدسي «يكشف حقيقة نية الاحتلال لفرض السيادة الإسرائيلية على الأقصى وتقسيمه».من جهته، دعا رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية مجلس الأمن إلى الضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها، وضرورة «رفع الأمم المتحدة الغطاء عن الممارسات الصهيونية العدوانية».وطالب هنية بـ 4 نقاط أساسية هي السماح للمصلين والمعتكفين بالوصول إلى المسجد الأقصى بحرية تامة وعدم الاعتداء عليهم، ووضع حد نهائي لقصة القرابين، والإفراج عن المعتقلين ووقف القتل والاغتيال في جنين ومخيمها ومختلف أنحاء الضفة.بيينت ولابيد
وإذ طمأن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بأن القيادات الأمنية تعمل على تهدئة الوضع في القدس، أكد استعداده للتعامل مع كل السيناريوهات، قائلاً: «نعمل على استعادة الهدوء في جبل المعبد وفي أنحاء إسرائيل. إلى جانب ذلك، نستعد لأي سيناريو وقوات الأمن جاهزة لأي مهمة».بدوره، قال وزير خارجية إسرائيل يائير لابيد «أعمال الشغب غير مقبولة». وأضاف: «تزامُن عيد الفصح اليهودي والمسيحي وشهر رمضان يرمز إلى ما يجمع بيننا. يجب ألا ندع أحداً يحوّل هذه المناسبات المقدسة منصّةً للكراهية والتحريض والعنف».الكويت
وأعربت وزارة الخارجية الكويتية عن إدانة واستنكار دولة الكويت الشديدين «لاقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى والاعتداء على المصلين» وإصابة واعتقال المئات من الأبرياء، معتبرة هذه «الاعتداءات تصعيداً خطيراً وانتهاكاً صارخاً لكل المواثيق والقرارات الدولية ومدعاة لتغذية التطرف والعنف وتقويض استقرار المنطقة».ودانت السعودية «التصعيد الممنهج والاعتداء الصارخ على حرمة المسجد الأقصى». وأصدر مجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية بيانات لإدانة اقتحام المسجد الأقصى وحمّلت «الاحتلال المسؤولية الكاملة عن تداعيات استمرار هذه الجرائم والاعتداءات اليومية وإشعال الموقف في الأقصى المبارك».وفي سلسلة بيانات منفصلة، نددت الإمارات وقطر والبحرين والعراق ولبنان والجزائر والمغرب ومصر والأردن وإيران بأشد العبارات الاقتحام. ودعا «حزب الله» اللبناني منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية والدول والشعوب العربية والإسلامية إلى تقديم كل الدعم الممكن للمقدسيين.وفي بيان، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس: «ندعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس وتجنب الأفعال والخطابات الاستفزازية والحفاظ على الوضع التاريخي في الحرم الشريف/جبل المعبد وعلى الفلسطينيين والمسؤولين الإسرائيليين العمل على نحو تعاوني لخفض التوترات وضمان سلامة الجميع».وحثّ مبعوث الأمم المتحدة تور وينسلاند جميع الأطراف على «المساعدة في تهدئة الموقف وعدم نشر خطاب التحريض والتنديد بمن يسعون لتصعيد الموقف». ودعت باريس إلى «أقصى درجات ضبط النفس وتجنّب العنف بكل أشكاله».حراك مصري - قطري
وفي حراك لمنع التصعيد، كثفت مصر وقطر والأمم المتحدة وساطتها بين فصائل غزة وإسرائيل لتفادي تكرار حرب الـ 11 يوماً، التي بدأت بسيناريو مشابه خلال شهر رمضان الماضي وأسفرت عن مقتل أكثر من 250 فلسطينياً في غزة و13 إسرائيلياً.وأفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن المخابرات المصرية توصلت لمؤشرات إيجابية مع قيادة «حماس» ومع المسؤولين الإسرائيليين للتهدئة منها الاتفاق على إطلاق سراح المعتقلين وضبط الأوضاع في غزة لمنع حدوث أي خطأ قد يؤدي لعمليات إطلاق صواريخ بشكل يدفع الأوضاع إلى نقطة لا يمكن الرجوع عنها، مبينة أن مستشار الأمن القومي ايال حولاتا قام بزيارة خاطفة إلى القاهرة لهذا الغرض.وفي محادثة منفصلة مع مسؤولي المخابرات المصرية، حذر إسماعيل هنية من التداعيات المترتبة عن الاعتداءات الإسرائيلية، مؤكداً أن قرار الشعب هو الدفاع عن المسجد الأقصى وحمايته مهما كان الثمن.وحذرت الفصائل الفلسطينية المسلحة من «مواجهة ستكون أقرب وأصعب مما يظن الاحتلال».وأكد الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، أمس، خلال استقباله وفداً من الكونغرس الأميركي برئاسة السيناتور، ريتشارد شيلبي، موقف مصر الثابت بالتوصل إلى حل عادل وشامل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، وفق المرجعيات الدولية، الأمر الذي من شأنه أن يفتح آفاقاً للتعايش والتعاون بين جميع شعوب المنطقة.ووفق المتحدث، تم التباحث بشأن مستجدات القضية الفلسطينية، وأشاد وفد الكونغرس بالجهود المصرية الداعمة لعملية السلام.وقال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس إن الحل السياسي مع الفلسطينيين يقوم على دولتين منفصلتين مع الحفاظ على هيمنة إسرائيلية في المنطقة برمتها.وأضاف "ومع أن هذين الكيانين سيكونان منفصلين سياسيا لابد من التعاون الاقتصادي بينهما"، لافتاً "ويضمن هذا الحل التواصل الجغرافي للمناطق الفلسطينية (الضفة وغزة) من خلال إنشاء بنى تحتية للمواصلات".وأوضح أنه من الصعب التوصل الى سلام بالمعنى الواسع لكنه يحاول إيجاد واقع أفضل "يمكننا من العيش بسلام وبهدوء".