معارك الدوائر الانتخابية
كلما تأزَّم حال الواقع السياسي، حتى صرنا نعاني "متلازمة الأزمة السياسية"، تراكض البعض لتغيير الدوائر الانتخابية، انطلاقاً من أن الحل الفوقي بتغيير الدوائر سيؤدي إلى حل الأزمة السياسية، وفقاً لمنطلق طرف في المعادلة السياسية، إلا أن النتائج المتكررة في معارك الدوائر لم تحقق استقراراً، ولا حصافة في عملية اتخاذ القرار.الخلاف حول الدوائر الانتخابية بدأ مبكراً، حالما استقلَّت الكويت، وتقرر لاحقاً أنها ستنتهج نظاماً دستورياً ديموقراطياً، يكون أحد محاوره، انتخابات حُرة نزيهة عامة.ومع أن قانون الانتخاب قَصَر التصويت على الذكور ممن بلغوا ٢١ سنة، فعزل أغلبية المجتمع من نساء وشباب من سن ١٨ إلى ٢١ سنة، إلى جانب حرمان العسكريين من التصويت، إلا أن ذلك حديث على مستوى آخر يتصل بمدى توافق القانون مع الدستور، وقد تم حل جزء أساسي منه بإقرار حقوق المرأة السياسية في مايو ٢٠٠٥، وبقي الشباب والعسكريون، باستثناء منتسبي الحرس الوطني، محرومين من الانتخابات.
كانت المعركة الأولى حول الدوائر الانتخابية قد جرت قبل انتخابات المجلس التأسيسي، أي قبل إقرار الدستور. كانت المجموعة الشعبية، إن جاز التعبير، ترى أن تكون الكويت دائرة انتخابية واحدة، وكان الطرف الحكومي يراها ٢٠ دائرة انتخابية. فتم الاتفاق على عشر دوائر كحل وسط، إلا أنهم فوجئوا بنشر القانون بالجريدة الرسمية بعشرين دائرة انتخابية. وعلى إثر ذلك جرى تحرك ضاغط باتجاه العودة للاتفاق العشري، مع إعلان عدم المشاركة في الانتخابات إذا أصرت السُّلطة على موقفها العشريني. كانت بدايات المسيرة الديموقراطية مهددة نهائياً، فالأمير الشيخ عبدالله السالم كان قد أصدر قراره قانوناً بعشرين دائرة، والفئات السياسية الفاعلة المتفاوضة حول الانتقال لمستوى آخر من طبيعة الحكم معترضة، فما كان من الشيخ عبدالله السالم إلا أن نزع الفتيل، وسحب القانون الذي أصدره بعشرين دائرة، وأصدر قانوناً آخر بعد شهر فقط، بعشر دوائر انتخابية حسب الاتفاق، وانطلقت المسيرة بعشر دوائر، حتى سنة ١٩٨١، لتثبت أن معركة الدوائر مستمرة، وأن الاستمرار بتغيير الدوائر بهدف تغيير النتائج لمصلحة طرف في المعادلة السياسية، لن يؤدي إلى تحقيق شيء إلا مزيد من عدم الاستقرار كما سنرى... وللحديث بقية.