مع توقّع أن تبدأ روسيا «خلال أيام» المرحلة التالية من حملتها العسكرية في أوكرانيا، ومع اقترابها من حسم معركة مدينة ماريوبول الساحلية على بحر آزوف في جنوب شرقي أوكرانيا، بدأت وفق ما يبدو ظاهرة «متلازمة حرب أوكرانيا» تشمل العديد من سكان أوروبا الشرقية رغم أن وحشية الحرب لم تنتشر بعدُ خارج أوكرانيا.

فقد أكدت صحيفة «نيويورك تايمز»، وفقاً لمقابلات أجرتها مع عدد من المتخصصين في الصحة العقلية والمرضى من أوروبا الشرقية، أن العديد من الأوروبيين الشرقيين يشعرون بالارتباط الوثيق بالصراع في منطقتهم، مشيرة إلى أن معدل اضطراب القلق العام ارتفع، وزادت طلبات الحبوب المنوّمة والمكالمات إلى الخطوط الساخنة.

Ad

فخلال الأسابيع السبعة الماضية، حاولت الدكتورة سيمونا نيليوبسين، وهي طبيبة الأسرة في كاوناس، ثاني أكبر مدن ليتوانيا، جاهدة للتركيز على فحوصات مرضاها، غير أن صور المدن الأوكرانية التي تعرضت للقصف تُشتت انتباهها وهي تومض في رأسها.

وقالت نيليوبسين: «لم أتعرض لنوبات قلق من قبل. لكن بعد الأسبوع الأول من الحرب، بدأت أفكر في أنه ربما يجب أن أتناول بعض الحبوب التي أصفها لمرضاي».

وأضافت أنها عندما رأت صور الفظائع المنسوبة إلى الجنود الروس في بلدة بوتشا الأوكرانية «لم أتمكن من التحرك، ولم تتناول عائلتي العشاء ذلك المساء».

ويشتكي البعض عدم تمكنهم من الهروب من التغطية الإخبارية المستمرة، حتى قالوا إنهم يخشون النوم. وبسبب قرب الحرب في أوكرانيا، يخشى بعض الأوروبيين الشرقيين الانجرار إلى القتال.

وتعيد صور إراقة الدماء، على بعد مئات الكيلومترات فقط، ذكريات مؤلمة عن الفظائع التي ارتكبها الجنود الروس خلال الحرب العالمية الثانية والاحتلال السوفياتي لهذا الجزء من العالم قبل سنوات.

وقالت سارة كوزيغ، وهي اختصاصية نفسية من بودابست بدأت مشروعاً يوثق كوابيس الناس حول الحرب: «هذه أزمة وجودية وذات تأثير بيولوجي: أنت في حالة تأهب طوال الوقت، وهذا يؤثر على نومك».

وبعد نحو شهرين من الغزو الروسي، نقلت شبكة NBC عن مسؤولين عسكريين أميركيين توقعهم أن تبدأ المرحلة التالية من الحملة العسكرية الروسية في شرق أوكرانيا خلال الأيام القليلة المقبلة.

وقال المسؤولون، إن الجيش الروسي قد يبدأ نقل بعض قواته إلى أوكرانيا مع نهاية هذا الأسبوع أو بداية الأسبوع المقبل.

وتزامن ذلك مع إعلان موسكو السيطرة على مدينة ماريوبول الساحلية الواقعة على بحر آزوف بأكملها تقريباً، ودعوتها آخر جيوب المقاومة الأوكرانية في «مجمع آزوفستال» للمعادن إلى التخلّي عن أسلحتهم، باعتبار ذلك «فرصتهم الوحيدة للنجاة».

وقال الناطق باسم وزارة الدفاع إيغور كوناشينكوف: «كل الذي يتخلّون عن أسلحتهم سيتم ضمان إنقاذ حياتهم».

واتهم كوناشينكوف الحكومة الأوكرانية بمنع قواتها المحاصرة في «آزوفستال»، من التفاوض على الاستسلام، مشيراً إلى أن القوات الأوكرانية فقدت في المدينة المحاصرة أكثر من 4 آلاف فرد.

كما أكد، أنه باستثناء جيب المقاومة هذا «تم تطهير كل أراضي ماريوبول من مسلحي مجموعة آزوف النازية والمرتزقة الأجانب والعسكريين الأوكرانيين».

في المقابل، قال الرئيس فولوديمير زيلينسكي إن الوضع في ماريوبول «غير إنساني»، متهماً روسيا بمحاولة «تدمير أي شخص في المدينة عمداً».

وأضاف زيلينسكي في رسالة بالفيديو «ليس هناك سوى خيارين، إما أن يزودنا الشركاء بكل الأسلحة الثقيلة اللازمة، وإما طريق التفاوض، حيث يجب أن يكون دور الشركاء حاسماً أيضاً».

وقبل ذلك، هدّد الرئيس الأوكراني بوقف محادثات السلام مع موسكو إذا «تمت تصفية» آخر الجنود الأوكرانيين في ماريوبول.

وأعلنت القوات الروسية أنها قصفت مصنعاً جديداً للأسلحة بالقرب من كييف أمس، لليوم الثالث على التوالي بعدما هددت بتكثيف الضربات ضد العاصمة الأوكرانية ردا على تدمير سفينة قيادة أسطولها «موسكفا» في البحر الأسود.

كما أعلنت إسقاط طائرة شحن عسكرية أوكرانية في أوديسا كانت في طريقها لإيصال أسلحة إلى أوكرانيا.

وبينما أعلن كوناشينكوف مقتل 1035 من «المرتزقة الأجانب» منذ بدء الغزو، مؤكداً «بقاء 4877 مرتزقا آخرين أتوا من 63 دولة»، ذكرت شبكة «طلوع نيوز» الأفغانية، أن «مجموعة من القوات العسكرية والأمنية الأفغانية التي تدربت في حكومة أشرف غني على أيدي خبراء أميركيين وبريطانيين، تم إرسالها إلى أوكرانيا للمشاركة بالحرب ضد القوات الروسية».

مواجهة قطبية

جاء ذلك في وقت حذرت وزارة الخارجية الروسية من مخاطر حدوث «صدام غير مقصود» بين روسيا وحلف «الناتو» في منطقة القطب الشمالي. وأعرب سفير المهام الخاصة في الخارجية الروسية، نيكولاي كورتشونوف، الذي يترأس لجنة كبار المسؤولين في مجلس القطب الشمالي،، عن قلق موسكو إزاء إشراك «الناتو» أعضاءه من خارج منطقة القطب الشمالي في أنشطته العسكرية هناك.

وحذر الدبلوماسي الروسي من أن قرار شركاء روسيا في مجلس القطب الشمالي (وهم الولايات المتحدة والسويد والنرويج وأيسلندا وفنلندا والدنمارك) تعليق عمله على خلفية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، يؤدي إلى زيادة التحديات والتهديدات في مجال «الأمن الناعم» في هذه المنطقة.

ولفت إلى أن الانضمام المحتمل للسويد وفنلندا إلى «الناتو» سيؤثر سلباً على الأمن والثقة المتبادلة بين دول منطقة القطب الشمالي، مشدداً على أن انتهاج هاتين الدولتين على مدى سنوات طويلة سياسة عدم الانضمام إلى تكتلات عسكرية يعد من أهم عوامل الاستقرار والأمن في شمال أوروبا وفي القارة الأوروبية عموما.

وأعرب عن أمل موسكو استئناف عمل مجلس القطب الشمالي في أقرب وقت، مضيفا أن روسيا تنوي الاستمرار في «تعزيز سيادتها في خطوط العرض العليا»، غير أنها «لا تزال منفتحة على التعاون مع جميع الدول والمنظمات في منطقة القطب الشمالي وخارجها، التي تشاركها فكرة ضرورة تنمية هذه المنطقة على أساس مستدام».

عزل روسيا

من ناحية أخرى، كشفت صحيفة «واشنطن بوست»، أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يسعون إلى اتباع استراتيجية طويلة الأمد لعزل روسيا وإضعافها.

وأشارت الصحيفة إلى أن إدارة الرئيس جو بايدن، والحلفاء الأوروبيين يخططون لـ«عالم مختلف تماما»، لا يتعايشون فيه مع روسيا.

وأوضحت أن مؤسسات حلف شمال الأطلسي (ناتو) والاتحاد الأوروبي ووزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين، تبحث مخططات لتكريس سياسات جديدة تتعلق بجميع الجوانب التي ترتبط بموسكو كالدفاع والتمويل والتجارة والدبلوماسية، لافتة إلى إلى أنه يتم توجيه «الغضب» بشكل فوري إلى الرئيس فلاديمير بوتين نفسه، والذي قال بايدن الشهر الماضي «إنه لا يمكن أن يظل في السلطة»، فيما ذكر أحد كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي «لا نقول تغيير النظام، ولكن من الصعب تخيل سيناريو مستقر حيث يتصرف بوتين بالطريقة التي هو عليها».