فرض تصدي الفلسطينيين للانتهاكات في المسجد الأقصى، على الحكومة الإسرائيلية الهشّة تقديم تنازلات لتجنّب مواجهة اوسع، في خطوة أثارت غضب القوى اليمينية المتشددة وجماعات الهيكل المتطرفة.

فقد قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، إغلاق المسجد الأقصى أمام الاقتحامات المتكررة لليوم الرابع من المستوطنين اليهود، بدءاً من غد وحتى نهاية شهر رمضان.

Ad

واتخذ بينيت، الذي يعمل ائتلافه الحاكم على احتواء التوتر وعدم المجازفة بعملية عسكرية موسعة من أجل التفرغ لترميم صفوفه، القرار بعد مشاورات أجراها على المستوى السياسي، مؤكداً أن الإجراء قرار اعتيادي يُتخذ عندما يتصادف عيد الفصح اليهودي مع مناسبات دينية إسلامية، ومطبّق منذ سنوات خلال الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان.

ووفق قناة ريشت كان العبرية وصحيفة تايمز أوف إسرائيل، فإنه تم تسريب خطة بينيت إلى عدد من وسائل الإعلام العبرية، مساء أمس الأول، مما أثار غضب المشرّعين اليمينيين والخبراء، الذين انتقدوا الحكومة، بسبب ما أسموه «الخضوع للإرهاب».

ويرى مراقبون أنه مع تصاعد نُذر اندلاع المواجهة مع الفصائل الفلسطينية ربما يكون مستقبل الائتلاف الإسرائيلي الهشّ على المحك، وسط انسحابات منه وتعليق القائمة العربية الموحدة مشاركتها فيه، بسبب الاعتداءات على الضفة الغربية و«الأقصى».

وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن الائتلاف الحاكم يواجه الانهيار الوشيك وتمرداً محتملاً من جانب «القائمة العربية»، لأنها إذا انسحبت أو حتى أحد أعضائها، فسيؤدي ذلك إلى أن تتحول حكومة بينيت إلى الأقلية، ومن ثم يستحضر سيناريو التصويت على حل «الكنيست» والذهاب إلى انتخابات برلمانية خامسة.

ويقول محللون إن الحكومة الإسرائيلية تحاول من هذا المنطلق احتواء الأمور وعدم التصعيد. وفي حين ذكرت هيئة البث الإسرائيلي أن شرطة القدس منعت مسيرة الأعلام للمستوطنين أمس، اقتحمت قوات الشرطة لليوم الرابع المسجد الأقصى، وانتشرت في ساحاته وشرعت بإبعاد المصلين والمعتكفين عن مسار اقتحامات مجموعات المستوطنين، وأطلقت قنابل الصوت والغاز وحاصرت مصلياته، وأغلقتها ومنعت الوجود في المصلى القبلي وقبة الصخرة، ونصبت الحواجز داخل القدس القديمة وعند الطرقات المؤدية إلى الحرم، لمنع الشباب خاصة من الدخول لأداء صلاة الفجر.

ومع إعلان الفصائل الفلسطينية «حالة الاستنفار والتأهب»، تسارعت الجهود الدولية، لاسيما من الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط والإدارة الأميركية، خلال الساعات الماضية لنزع فتيل المواجهة الشاملة. وفي ظل تحركات مكثفة لمصر والأردن والأمم المتحدة سبقت الاجتماع الطارئ للجنة الوزارية العربية المقرر اليوم في العاصمة الأردنية عمّان، أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مكالمتين منفصلتين مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ونظيره الإسرائيلي يائير لابيد، ودعاهما إلى «إنهاء دوامة العنف والعمل على حلّ تفاوضي يفضي إلى دولتين، وضبط النفس والامتناع عن أيّ عمل أو تصريح يؤدي إلى تصعيد التوتر، بما في ذلك في باحة المسجد الأقصى ومحيطها في القدس الشرقية المحتلة».

وأوفد بلينكن مساعدته لشؤون الشرق الأدنى، يائيل لامبرت، والمسؤول عن الملف الفلسطيني، هادي عمرو، إلى الأردن وإسرائيل والضفة الغربية ومصر لإجراء محادثات تهدف إلى «تخفيف التوتر» في المنطقة.

وشدد بلينكن لنظيره الأردني أيمن الصفدي على «أهمية الحفاظ على الوضع القائم التاريخي» في الحرم القدسي الذي يقع تحت وصاية الأردن.

وغداة استدعاء الإمارات سفير إسرائيل لديها وإبلاغه احتجاجها على اعتداءات استهدفت المدنيين في القدس الشرقية، و«اقتحام» باحة الحرم القدسي، أكدت السعودية والجزائر «عزمهما تعزيز التشاور والتنسيق بينهما، مع تركيز الجهود من أجل توحيد الصف العربي».

وفي رسالة نقلها سفير المملكة عبدالله البصيري، أعرب الملك سلمان بن عبدالعزيز للرئيس عبدالمجيد تبّون عن مشاركته الرأي حيال العمل المشترك للنهوض بالأمة، وحرصه على الموقف الثابت من قضية فلسطين وإقامة دولتها على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وفي ختام جلسة طارئة لمجلس الأمن، سادها الانقسام، دعت أيرلندا وفرنسا وإستونيا والنرويج وألبانيا، في بيان مشترك لم تنضم إليه الإمارات ولا الصين، إلى إنهاء المواجهات والتوتر، وإدانة «جميع أعمال الإرهاب وإطلاق الصواريخ من غزة على جنوب إسرائيل».

بدوره، أعرب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس، عبر اتّصال مع نظيره الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، عن «بالغ حزنه» لاقتحام المجموعات المتطرفة الحرم القدسي وأعمال العنف داخله وانتشار التوتر باتجاه غزة، ودفع العالم الإسلامي إلى ردود فعل محقّة، مشدداً على «أهمية عدم السماح بالأعمال الاستفزازية والتهديدات التي تطول الوضع القانوني والمعنوي للمسجد الأقصى، في هذه الفترة الحسّاسة».

وأعلنت روسيا عن اتصالات مع الفلسطينيين والإسرائيليين والعواصم العربية، بهدف احتواء التصعيد، محمّلة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المسؤولية عن تدهور الوضع في الشرق الأوسط والتذرّع بالتطورات الجارية في أوكرانيا للتملّص من المشاركة في أعمال اللجنة الرباعية التي أقرها مجلس الأمن كآلية لمرافقة الحوار الفلسطيني - الإسرائيلي.

وفي غزة، أعلنت الفصائل الفلسطينية المسلحة، بعد اجتماع طارئ أمس الأول، رفع حالة الاستنفار العام على المستويات كافة. ودعت الفصائل إلى «استمرار حالة الاشتباك الدائمة بكل أشكالها مع العدو، في الضفة الغربية والقدس والخليل، دفاعا عن المقدسات، ورفضاً للاحتلال والاستيطان والتهويد».