إيجاد حل لسعر الكربون
التصدي للتغير المناخي يتطلب تغييراً سلوكياً، فتسعير العوامل الخارجية السلبية لتغير المناخ بشكل صريح سيدفع الشركات إلى تقليل الانبعاثات ويدفع المستهلكين لإجراء التغييرات الضرورية في نمط حياتهم، وسيؤدي سعر الكربون أيضا إلى جني الإيرادات التي يمكن تخصيصها لتطوير التقنيات الخضراء أو توزيعها على الجمهور بطريقة تدعم الانتقال العادل.
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
وإن ثورة مماثلة في فهم المستثمرين لمخاطر المناخ ضرورية اليوم، فالبيانات الفائقة الجودة المتعلقة بمخاطر المناخ والتي تم جمعها من خلال الإفصاحات الإلزامية تعتبر حيوية من أجل تطوير أدوات تحليلية مفيدة، ولحسن الحظ بدأت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية ومجلس معايير التقارير المالية الدولية في إدراك الأهمية الكبيرة لذلك، حيث اقترحتا متطلبات جديدة للإفصاحات المتعلقة بالمناخ.فذلك الإفصاح يعد ضروريا، لكنه ليس كافيا، فالحوافز مهمة، لكنها الآن تسير في الاتجاه الخطأ، فالمشكلة الأولى هي أن الوقود الأحفوري هو بمنزلة الطفل المدلل، حيث يأتي ذلك على شكل دعومات ضخمة، ويشير ميثاق غلاسكو للمناخ الذي تمت الموافقة عليه في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ العام الماضي إلى أن مثل تلك «الدعومات غير الفعالة» تعادل حاليا نصف إجمالي الاستثمار في الوقود الأحفوري.العامل الثاني الذي يشوه الأسواق المالية ويمنع تخصيصاً فعالاً لرؤوس الأموال هو التسهيلات الكبيرة التي تحظى بها انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، حيث لم يتم حتى الآن تطبيق مبدأ «الجهات المسؤولة عن التلوث يجب أن تدفع»، وفي واقع الأمر فإن تلك الانبعاثات المستمرة من غير انقطاع تتسبب في الاحتباس الحراري الذي يشكل تهديداً وجودياً للبشرية جمعاء. وهنا يأتي الدور الذي يمكن أن يؤديه تسعير الكربون، فالتحول لصافي صفر انبعاثات يتطلب تطويراً سريعاً على نطاق التقنيات الجديدة والبنية التحتية الموفرة للطاقة واحتجاز الكربون وتخزينه، وإن سعر الكربون إلى جانب إلغاء دعومات الوقود الأحفوري سيعطي المستثمرين حوافز قوية لتمويل التحول الضروري للطاقة.قبل مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في باريس سنة 2015 أصدر أكثر من 340 مستثمراً يديرون أصولاً تزيد قيمتها على 20 تريليون دولار أميركي بياناً أعلنوا فيه خططهم للتخلص التدريجي من دعومات الوقود الأحفوري وتطبيق تسعير الكربون، علماً أنه تم وبشكل مؤدب تجاهل معظم ما دعا اليه أولئك المستثمرون، ولكن عندما بدأت وكالة الطاقة الدولية في رسم خريطة طريق لتكاليف التحول، أصبح من الواضح أن الحكومات وحدها لا تستطيع تحمل التكلفة، وأنه يجب جمع تريليونات من الدولارات من الأسواق المالية. لقد أقرت اتفاقية باريس للمناخ الدور الأساسي للأسواق الخاصة في حشد التمويل اللازم للإبقاء على الاحتباس الحراري أقل بكثير من 2 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة، وإن تلك الاتفاقية تعطي إرشادات عن كيفية تأسيس برامج تبادل أرصدة الكربون عبر الحدود، فحتى الآن حددت 40 سلطة على مستوى الدول وعلى المستوى المحلي سعراً للكربون يغطي نحو 15% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.بالإضافة الى ذلك هناك 46 مبادرة تسعير كربون يتم إعدادها حاليا– بما في ذلك ضمن اقتصادات رئيسة مثل الصين والبرازيل- ونحو 25% من الانبعاثات العالمية ستخضع لتسعير الكربون، وهذه خطوة في الطريق الصحيح لكنها ليست كافية.في غضون ذلك قدمت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية اقتراحا متواضعا مفاده أن الشركات بحاجة إلى الإبلاغ عن سعر الكربون الذي تفترضه في خططها المالية، وهذا يعكس توصيات لجنة تداول السلع الآجلة التي وافقت لجنتها المختصة بشأن مخاطر المناخ- التي تضم مديري الأصول والبنوك وشركات السلع– على المبدأ الواضح، وهو أنه ما لم نضع سعرا للكربون، لا يمكننا إدارة انتقال الطاقة بشكل فعال.إن التصدي للتغير المناخي يتطلب تغييراً سلوكياً، حيث عادة ما يغير الناس سلوكهم استجابةً للحوافز، فتسعير العوامل الخارجية السلبية لتغير المناخ بشكل صريح سيدفع الشركات إلى تقليل الانبعاثات ويدفع المستهلكين لإجراء التغييرات الضرورية في نمط حياتهم، وسيؤدي سعر الكربون أيضا إلى جني الإيرادات التي يمكن تخصيصها لتطوير التقنيات الخضراء أو توزيعها على الجمهور بطريقة تدعم الانتقال العادل، وباختصار يمكن أن يحقق تسعير الكربون الأهداف الاقتصادية والمناخية والاجتماعية بشكل متزامن.يقول اللورد دارلينغتون في رواية أوسكار وايلد «مروحة الليدي وندرمير» إن الشخص الساخر هو «الشخص الذي يعرف سعر كل شيء وقيمة لا شيء». وإن المستثمرين حاليا في وضع معاكس تماما، فنحن نعلم قيمة التصدي لتغير المناخ لكننا لم نحدد بعد السعر، وإن تغير المناخ يشكل خطراً ممنهجاً لا يستطيع المستثمرون وبكل بساطة تجاهله من خلال الاستثمار في مجالات أخرى، وما لم يتم تسعير ذلك الخطر بشكل دقيق ستكون التكاليف لا تعد ولا تحصى. * بن مينغ هو نائب رئيس تنفيذي في مؤسسة فرانكلن تيمبلتون، وآن سيمسون هي الرئيس العالمي للاستدامة في مؤسسة فرانكلن تيمبلتون.* بن مينغ وآن سيمبسون