تشهد البلاد وضعاً استثنائياً، لم تمرّ به من قبل، هذا الوضع الاستثنائي يتمثل في وجود فراغ إداري مخيف أدى إلى وقف كل مظاهر الحياة الطبيعية في البلد، وهذا الفراغ الإداري ناجم عن عدم ملء المناصب القيادية التي حدث بها فراغ بانتهاء مدة شاغليها من القياديين في القطاعات المختلفة، وهذا الأمر أوجد وضعاً سلبياً يؤثر على سلامة سير الدولة وتنميتها، وكذلك على سلاسة قراراتها وصحتها، إذ إن فراغاً من هذا النوع يؤدي إلى متواليات من الإشكالات القانونية والسياسية والإدارية والاقتصادية، بل إنه يؤدي إلى تعقيد الأمور وتشابكها وتعطيل كل القرارات ذات الأهمية البالغة للبلد.ولا يخفى على أحد أن هذا الفراغ امتد حتى الآن لنحو ثلاث سنوات ونصف السنة، وهذه المدة كافية لشلّ الحياة العامة في البلد، فنحن نعاني ضعف الإدارة العامة الحكومية من خلال وجود حكومات ووزراء لا يستطيعون تأدية مهامهم وواجباتهم على النحو المناسب، إما لضعفهم أو لترددهم أو لخوفهم المفرط من المحاسبة من قبل مجلس الأمة، بل والأدهى من ذلك بسبب غياب مؤهلات لمن يشغل وظيفة وزير، التي يتولاها اليوم العديد من الوزراء ممن نسمّي بعضهم في المثل الكويتي الدارج "عوير وزوير والمنكسر واللي ما فيه خير"، فهذا النمط من الوزراء جاء من خلال معايير ليست لها علاقة بتطوير البلد ولا بالتنمية ولا بحُسن الإدارة العامة ولا بحسن الإدارة السياسية، فمعظم هؤلاء الوزراء أتوا من خلال المحاصصة، إما على أساس الطائفة أو النَّسب أو القبيلة أو غيرها من العناصر الفئوية، والتي تأتي بغير الكفاءات، بل وإقصاء الكفاءات، علماً بأن الدستور في المادة 56 منه حينما نصّ على أن "يتم تولية الوزراء من داخل مجلس الأمة ومن خارجه"، قصد بمثل هذا الاستثناء أن يتم تولية وتوزير الكفاءات وليس توزير الرديء والضعيف وغير الأمين ممن نراهم اليوم في مواقع المسؤولية الوزارية.
وهنا نتطلع إلى الدور المنشود لقيادتنا السياسية في تحريك المياه الراكدة، وإعادة الاعتبار إلى المنصب الوزاري ولمؤسسية مجلس الوزراء كهيئة جماعية تهيمن على مصالح البلد، وقادرة على أن تتخذ الصعب من القرارات وتنفذها، لا أن يأتي توليفها بتركيبة وزراء لعبور بعض الإشكاليات وإطالة عمر رئيس مجلس الوزراء وبنهج غير مرتبط لا بإنجاز ولا بوحدة وزارة متكافئة في أعضائها ومتميزة بأدائها، وينبغي أن نتخلى عن سياسة الترضيات واختيار الضعفاء ممن لا يستطيعون النهوض بمسؤولياتهم الحكومية والوزارية.عوداً على بدء، نجد أن الفراغ الإداري اليوم هو الذي شلّ البلد، وهذا الفراغ أتى من خلوّ ما يقارب 46 منصب وكيل أو وكيل وزارة أو مدير عام أو مناصب عليا في كل المؤسسات، ولم تنجُ أية مؤسسة من وجود مثل هذا الفراغ، أو لوجود من هم محسوبون على شبكة الدولة العميقة، وهي الطرف الذي يتحكم أو يملك تأثيراً بالغاً على المناصب القيادية، ويسعى لإساءة استخدامها في مضايقة الناس، والتأثير على سبُل معيشتهم، وعدم الإسراع في إنجاز مصالحهم، بل إيذائهم وملاحقتهم؛ سواء معيشياً أو أمنياً.وهنا لا بدّ أن نذكر أن ملف العفو هو ملف مهم ووطني ويمسّ أسراً كثيرة بصورة مباشرة، وينتظره العديد من أبناء الكويت، وقد تم التفريط به وتأجيله والمماطلة بشأنه مرات عديدة بسبب وجود أطراف متنفذة عرقلت هذا الملف، وهو ما يستلزم أن تكون هناك لفتة من قيادتنا السياسية لحلحلة هذا الملف وإنهاء المعاناة.فلم يكن ملف العفو يتعلّق بقضية دخول المجلس فقط، ومحاولة قصره عليها، وأن ملف العفو انتهى بانتهاء هذه القضية هو مجرد ذرّ للرماد في العيون وعبث لا يجوز السكوت عنه، وما أحوجنا لإدارة حصيفة تواجه مشكلات البلد وتحلها، وهو ما يناقضه الفراغ الإداري في ظل غياب للقرار السياسي.
أخر كلام
الفراغ الإداري بين التعطيل والتأجيل
20-04-2022