الاستحواذ على «تويتر»... استثمار في التأثير

فتح عرض الاستحواذ، الذي قدمه الملياردير إيلون ماسك مالك شركتي «تسلا» للسيارات الكهربائية و»سبيس إكس» لتصنيع الطيران والرحلات الفضائية، على أسهم شركة «تويتر» الباب أمام تكهنات غير مألوفة في عالم المال والأعمال بشأن الغرض من الاستحواذ، الذي يتخذ شكلاً يوصف بالعدائي، علاوة على دور مساهمي الشركات في المحافظة على هويتها، ناهيك عن كيفية تعامل الجهات التنظيمية في العالم مع حالات مستجدة؛ ربما تؤثر على حيادية شبكات التواصل الاجتماعي، إلى جانب استغلال بيانات مستخدميها.

فرغم أن عرض إيلون ماسك الذي قدمه الخميس الماضي للاستحواذ على كل الأسهم في شركة «تويتر» الذي يمتلك بالأصل 9.2 في المئة من أسهمها بلغت قيمته نحو 43 مليار دولار بسعر 54.2 دولاراً للسهم الواحد بما يمثل ارتفاعاً بنحو 38 في المئة عن سعر إغلاق بداية الشهر الجاري، إلا أنه يقل أيضاً عن أعلى المستويات السعرية التي بلغها سهم «تويتر» خلال عام، إذ بلغت 70 دولاراً للسهم الواحد، بما يقل عن 15.8 دولاراً أي بنسبة 22.5 في المئة… ومع ذلك فصعوبات مسألة الاستحواذ على شركة «تويتر» لا تتوقف عند مجرد الاعتراض على سعر السهم.

وعود لا تنفذ

فماسك الذي أعلن أن الغرض من الاستحواذ على «تويتر» هو تحويلها من شركة مساهمة إلى شركة ملكية خاصة أعاد إلى الأذهان العديد من وعوده التي لا ينفذها، مثل تغريدته على «تويتر» في أغسطس 2018 بشأن حصوله على تمويل مضمون لتحويل «تسلا» إلى شركة خاصة، وهو ما لم يحدث لاحقاً، مما دفع هيئة الأوراق المالية والبورصات لرفع دعوى قضائية عليه وغرمته 20 مليون دولار، وأفضت إلى تسوية تلزمه بالحصول على موافقة تنظيمية سابقة من الهيئة على أي تغريدة من شأنها أن تؤثر على سعر السهم، ناهيك عن تغريداته غير المألوفة التي أحدثت ضجة في أسواق العملات الرقمية بمراهنته على عملات مغمورة تضاعفت قيمتها مئات المرات فقط، إذ وضع ماسك «هاشتاغ» عنها… فضلاً عن إعلانه قبول «تسلا» للعملة المشفرة «بتكوين» وسيط دفع، وشراء ما قيمته 1.5 مليار دولار منها وتراجعه لاحقاً عنها بسبب ما أسماه بـ«بواعث القلق حيال الكهرباء الكثيفة التي تستهلكها عملية التعدين المستخدمة في استخراج العملة وأثر ذلك على تغير المناخ».

لماذا «تويتر»؟

لعل السؤال الأهم في عملية الاستحواذ هو: لماذا يريد إيلون ماسك شركة «تويتر» تحديداً ملكية خاصة وهي ليست مغرية كثيراً من ناحية الأرباح والإيرادات مقارنة مع السعر المقدم للاستحواذ؟

فإيرادات «تويتر» الفصلية للربع الرابع من العام الماضي جاءت أقل من توقعات مستثمري «وول ستريت» إذ بلغت 1.57 مليار دولار مع نمو 13 في المئة بالمشتركين وصولاً إلى 217 مليون مشترك، وهو أمر يشير إلى أن خطة التطوير التي نفذتها إدارة «تويتر» في تطوير العائدات وجذب المشتركين لم تؤتِ ثمارها بعد على موقع التواصل الاجتماعي، إلى درجة أن ثمة توجهاً لدى المنصة لجعل الاشتراك في «تويتر» أو ربما بعض خدماته مدفوعاً مالياً لتغطية الانخفاض في إيرادات الإعلان الأساسية ضمن مشاريعها لتنويع مصادر الدخل.

وعليه، فإن الاستحواذ على «تويتر» ليس لتحقيق فائدة مالية مباشرة بقدرة ما يلبي منافع استثمارية واستراتيجية خصوصاً لشخصية إيلون ماسك المثيرة للجدل، لاسيما في كونه مالكاً ومؤسساً لشركتين مما يعرف بشركات المستقبل، وهما «تسلا» للسيارات الكهربائية و«سبيس إكس» لتصنيع الطيران والرحلات الفضائية، ناهيك عن مضارباته الحادة في عالم العملات المشفرة، فهو استثمار يهدف إلى كسب «التأثير» وربما توجيه المنصة ذات الأرباح المحدودة لتسويق أفكاره وشركاته لنحو 218 مليون مستخدم على المنصة التي تأخذ طبيعة إخبارية أو «أكثر جدية» لدى رواد الأعمال أكثر من «إنستغرام» أو «سناب شات» مثلاً… أما حديث ماسك عن أن الهدف من الاستحواذ هو «المزيد من الديموقراطية» في «تويتر» فربما يكون مدخلاً لتغريدات وتوجهات أكثر إثارة للجدل من سابقاتها.

صعوبات

غير أن مسألة الاستحواذ على «تويتر» ليست بالسهولة التي يتوقعها البعض، فالصعوبات بالنسبة لاستحواذ ماسك تتصاعد، من رفض أكبر ملاك «تويتر» الأمير السعودي الوليد بن طلال العرض المقترح من جانب ماسك (54.20 دولاراً للسهم) في وقت توجه مجلس إدارة «تويتر» لإجراء دفاعي يجعل مهمة ما يعرف بالاستحواذ القسري أو العدائي مستحيلة، عبر ما عرف بخطة «حبة السم» التي طبقتها «تويتر» وترتكز فكرتها على حظر شراء مالك واحد أكثر من 15 في المئة من أسهم الشركة من خلال تفعيل خطة لمدة 364 يوماً تتيح لحاملي الأسهم ميزة شراء أسهم إضافية مصدرة بسعر مخفض بشكل يستحيل معه لأي مستثمر ومنهم ماسك الاستحواذ القسري او العدائي على «تويتر».

وتجسد استراتيجية «حبة السم» رفضاً مباشراً لمالك معين حتى لو أدى الأمر إلى الإضرار بالشركة من خلال إصدار الأسهم الإضافية، التي قد يكون الغرض منها مؤقتاً أو يتطلب استثمارات جديدة تلبي الحجم المتزايد للشركة.

وتمتد مصاعب استحواذ ماسك على «تويتر» لتصل إلى الهيئات التنظيمية والرقابية، لا سيما هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، التي شددت على ضرورة حصول ماسك على إذن منها قبل الإدلاء بتغريدات وتصريحات عن الاستحواذ على «تويتر» لئلا تتكرر حادثة «التمويل المضمون» لشركة «تسلا» ناهيك عن مناقشة فكرة سيطرة شخص واحد على توجيه الرأي العام في منصة ذات دور فاعل من بين مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً بعد بيان عن أثر «تويتر» في تحديد اتجاهات الرأي العام خلال جائحة كورونا والانتخابات الأميركية الأخيرة والحرب الروسية - الأوكرانية.

فهم التأثير

ليس مهماً أين ستصل صفقة استحواذ ماسك على شركة «تويتر»، فأرجح التحليلات تشير إلى أن مصيرها سيكون الرفض، إما من المساهمين أو من الهيئات التنظيمية، فالأهم فهم أهمية الاستثمار في التأثير في تحديد سلوك المستهلكين أو في رسم اتجاهات الرأي العام، خصوصاً وسط عالم يتغير سريعاً بما يجعل لمنصة افتراضية دوراً يتجاوز كل ما تنفقه الحكومات والشركات الكبرى على الإعلام والتسويق.

محمد البغلي