كانت مفاجأة أن نتعرف عن بعد، على «باسكال بونيفاس» الذي يعتزم مدير المركز الفرنسي للأبحاث د. مكرم عباس استضافته في الكويت الشهر القادم لتقديم محاضرة، فقد جمعتني به جلسة نقاشية بحضور ومشاركة أستاذة التاريخ في جامعة الكويت د. نور الحبشي، كانت الأحاديث تدور حول الجوانب التاريخية والثقافية للعلاقات بين الكويت والخليج من جهة وفرنسا من جهة أخرى.شهرته خرجت إلى العالم ليس كأحد المحللين الاستراتيجيين ومؤسس معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، وأحد أبرز مراكز التفكير والبحث في العالم فقط، بل لأنه كان وراء كتاب ذاع صيته يتحدث عن نظرية جديدة في عالم الرياضة وكرة القدم تحت اسم «الجغرافيا السياسية للرياضة» وبتعبير أوضح «الجيوسياسية في عالم كرة القدم».
كان المفكر الفرنسي «أندريه مالرو» مخطئاً عندما تنبأ بأن القرن الحادي والعشرين سيكون دينياً في المقام الأول، كما يقول باسكال، بل رآه رياضياً لذلك نحن نعيش عصر «الرياضة المعولمة»ن وفي أحد لقاءاته طرح السؤال التالي: من يعرف اسم رئيس وزراء جامايكا أو رئيس البرازيل عام 1970؟ وأجاب: لا أحد، في حين اسم «بيليه» محفور في ذاكرتنا إلى الأبد، وكريستيانو رونالدو يتداول بين سكان القارات الخمس بسهولة، فالعلاقة بين الرياضة والسياسة ليست ظاهرة جديدة، بل تعود إلى القرن الماضي وربما أبعد، لكن نتحدث عنها اليوم في منظور «جيوسياسي» وهذا ما قرأه «باسكال» في إطار الرؤيا الاستراتيجية. النقاش مفتوح حول تلك العلاقة وأقرب الأحداث حرب روسيا ضد أوكرانيا وما أثارته من جدل بعلاقة الرياضة بالسياسة بعد منع الرياضيين الروس المشاركة في المناسبات الرياضة الدولية ومنها دورة كأس العالم 2022 في قطر.إذا سألت خلال ندوة أو برنامج تلفزيون أو مؤتمر عالمي، من منكم يعرف رونالدو أو ميشال بلاتيني، فسترتفع الأيدي جميعاً، لكن إذا كان السؤال عن رئيس الأرجنتين الحالي فهناك فرصة نادرة جداً لمعرفته، في حين يحظى «مارادونا» بشهرة أبدية تفوق اسم أي رئيس دولة عظمى! ومن الأمثلة الساطعة على قبضة كرة القدم، كيف أن الإمبراطورية البريطانية اخترعت الديموقراطية وكرة القدم في القرن التاسع عشر، وقامت بتصدير الأولى بالقوة والهيمنة دون جدوى، لكنها نجحت في تصدير الثانية إلى أبعد الأماكن من خلال ما يعرف «بالقوة الناعمة» أي القوة المطلقة للقدوة والتقليد. باسكال، يعتقد أن المرحلة النهائية للعولمة هي كرة القدم التي لا تهيمن عليها الولايات المتحدة الأميركية، ولا تمحو الهويات الوطنية، فعندما يلعب المنتخب الوطني للدولة، يتحد الشعب بكل فئاته واختلافاته وانقساماته من خلفه لدعمه، لذلك كانت كرة القدم هي الوجه السعيد للعولمة. كرة القدم كما يصورها تنتشر أكثر من اقتصاد السوق أو حتى الإنترنت، يمكن ممارستها داخل الأنظمة الاستبدادية والديموقراطية على حد سواء، فمن لا يتذكر دبلوماسية «لعبة البينغ بونغ» التي رعاها هنري كسينجر عام 1971 وأثمرت عن إقامة العلاقات بين بكين وواشنطن بعد قطيعة دامت أكثر من 20 عاماً؟ ومن لا يتذكر نجاح هذه «الدبلوماسية الناعمة» التي مهدت لأول لقاء بين زعيمي تركيا عبدالله غول ورئيس أرمينيا «سركسيان» عام 2008 بعد عداء استمر نحو 100 عام؟هذا العام ستكون قطر في واجهة الأحداث باستضافتها كأس العالم وتتحول إلى وجهة تمتزج بين أنظار البشر بلحظات من اليأس والفرح والأخوة وفي الوقت نفسه ستنال حصتها من العولمة والقوة الناعمة التي باتت عنصراً أساسياً من عناصر تأثير الدولة. باسكال بونيفاس ساهم في تطوير نظرية الجغرافيا السياسية للرياضة، ومن أهم كتبه «فهم العالم» و»نحو الحرب العالمية الرابعة» و»من يجرؤ على نقد إسرائيل»، وسنكون على موعد معه قريباً لأول مرة في الكويت ونستمع له عن «عولمة» الرياضة ونهاية الاحتكار الغربي للهيمنة على السلطة في عالم متعدد الأقطاب والتغيرات على صعيد العلاقات الدولية.
مقالات
أشهر مفكري فرنسا و«عولمة الرياضة»
21-04-2022