لا تزال ظاهرة النقص في أعداد العمالة المنزلية تزداد حدة في سوق العمل المحلي، دون قدرة الجهات الحكومية ذات العلاقة على إيجاد حلول جذرية توقف تفاقم هذا النقص.وكشفت جهات ذات صلة بالعمالة المنزلية عن تسرّب كبير لهذه العمالة إلى القطاع الأهلي، مستفيدة من النقص الحاد في العمالة الحرفية والمهنية الذي يعانيه سوق العمل المحلي، وتداعيات قرار عمالة الـ 60 عاما وما رافقه من مغادرة آلاف العمالة الحرفية والمهنية، وهو ما خلق سوقا موازيا عبر الاستعانة بالعمالة المنزلية لسدّ هذا النقص، وتسبب في شكاوى لا حصر لها من المواطنين والمقيمين الراغبين في الاستفادة من خدماته العمالة المنزلية، خصوصا خلال شهر رمضان، ومع قرب حلول الإجازة الصيفية، وهذا ما تؤكده الإحصاءات الصادرة عن الجهات المعنية التي تشير إلى تسرّب عشرات الآلاف من هذه العمالة سنويا إلى سوق العمل الأهلي.
"الجريدة" استطلعت آراء بعض أصحاب شركات ومكاتب استقدام العمالة المنزلية الذين أكدوا "سوء أوضاع سوق العمل، في ظل استمرار التخبط الذي تعيشه الجهات الحكومية ذات العلاقة، وانعدام التنسيق فيما بينها، وما ينتج عن ذلك من صدور قرارات خاطئة تزيد المشكلة تعقيدا وتضاعف معاناة سوق العمل".
قرارات غير حصيفة
من جانبه، يؤكد المتخصص في شؤون العمالة المنزلية، بسام الشمري، أن ظاهرة تسرب العمالة المنزلية إلى القطاع الأهلي تتفاقم بصورة غير مسبوقة تستلتزم معها سرعة إيجاد حلول جذرية عاجلة، ومعالجة ناجعة من الجهات الحكومية المعنية ليتسنى ردّ الأمور إلى نصابها الصحيح.وقال الشمري لـ "الجريدة" إن "الإحصاءات الصادرة عن الهيئة العامة للقوى العاملة تشير إلى أن نحو 60 بالمئة من العمالة السائبة والمخالفة لقانوني الإقامة والعمل، التي يتم ضبطها عبر لجان التفتيش الميدانية، منزلية هاربة من كفلائها وتعمل باليومية، بل وتجني مبالغ كبيرة مقارنة بوضعها الطبيعي ورواتبها الشهرية المتعارف عليها".ويرجع الشمري السبب وراء ذلك إلى هجرة العمالة الحرفية والمهنية وما ترتب على ذلك من نقص حاد يعانيه السوق منها حالياً، وهو ما حدا بأصحاب الأعمال إلى خلق سوق مواز عبر الاستعانة بالعمالة المنزلية لسد هذا النقص، مؤكدا أن بعض القرارات الحكومية غير الحصيفة، وعلى رأسها قرار حظر تجديد أذونات عمالة الـ 60 عاما من حملة المؤهلات الثانوية العاملة وما دونها، الذي استمر العمل به قبل تعديله لأكثر من عام، وغادر البلاد على أثرها آلاف العمالة الحرفية، حيث شكّل سببا رئيسا وراء الاستعانة بالعمالة المنزلية بهدف تعويض هذا النقص من العمالة المهنية والحرفية.قرار «التجارة» تحديد الأسعار ينذر بوقف كامل للاستقدام
تعقيبا على مخاطبة وزارة التجارة إلى «القوى العاملة» بشأن تحديد تكاليف استقدام العمالة المنزلية، أكد الشمري أن استمرار قرار «التجارة» بصورته الحالية وتحديده تكاليف الاستقدام بـ 890 دينارا شاملة تذكرة السفر وفحص الـ «بي. سي. آر» للعامل، يهدد منظومة الاستقدام إلى حد إيقافها بالكامل.وقال إن «التخبط الحكومي وإصدار قرارات غير قابلة للتطبيق بشأن استقدام العمالة المنزلية وتحديد التكاليف المقدرة نظير ذلك يشفّ عن عدم فهم لأبعاد المشكلة وبُعد أصحاب القرار التام عمّا يحدث على أرض الواقع»، مطالبا وزارة التجارة بعرض دراسة التكاليف التي على أثرها اتخذ هذا القرار المعيب الذي يشكّل عواقب وخيمة على سوق العمل المنزلي.
التحويل بين القطاعات
ويشير الشمري إلى أن عدم قدرة الجهات الحكومية المعنية، ومنها القوى العاملة، على إحداث التوازن المطلوب ما بين قرارات معالجة الخلل الذي أصاب التركيبة السكانية في البلاد وعدم التضييق على جلب العمالة الجديدة، فضلا عن عدم اتخاذ خطوات وإجراءات بعيدة عن الحلول التقليدية السهلة والمتمثلة في المنع كان سببا رئيسيا أيضا في نقص العمالة.ويهيب بأصحاب القرار إلى معاودة السماح بتحويل أذونات العمل من قطاعات الرعي والزراعة والصناعة والصيد إلى "الأهلي"، لاسيما أن الهيئة اتخذت القرار ذاته، وسمحت للعمالة المسجلة على هذه الأنشطة بالتحويل لأشهر، من ثم تراجعت عنه لاحقا.واعتبر أن السياسة المتبعة حاليا في احتساب تقدير الاحتياج من العمالة لا تتناسب وطبيعة عمل مكاتب الاستقدام التي تتعامل مع جنسيات عدة وتحتاج إلى عمالة من كل جنسية قادرة على التواصل مع العمالة المستقدمة؛ سواء من الفلبين أو الهند وغيرها من الدول المصدرة، مشددا على ضرورة مراجعة آلية احتساب رواتب العمالة المنزلية وزيادتها، ليتسنى استقطاب عمالة ماهرة قادرة على الارتقاء بسوق العمل، ولضمان عدم تسرّبها إلى القطاع الأهلي، الذي تجني العمالة المسرّبة إليه أضعاف رواتب العمالة بالقطاع المنزلي.عمالة الجليب وخيطان
بدوره، يؤكد صاحب إحدى شركات استقدام العمالة، نايف المزعل، أن ظاهرة تسرّب العمالة المنزلية إلى "الأهلي" أحد أهم وأبرز أسباب نقصها في السوق، مضيفا أن "جولة صغيرة في منطقتَي الجليب وخيطان سوف تشاهد خلالها مئات العمالة المنزلية التي تعمل باليومية في أنشطة البناء والسباكة وتركيب السيراميك والأرضيات الخشبية، إضافة إلى المناجر ومحال تصليح السيارات وطلائها".وطالب المزعل، عبر "الجريدة"، الهيئة العامة للقوى العاملة ووزارة الداخلية بوضع تصور وآلية محددة يتسنى من خلالهما منع تسرُّب هذه العمالة، عبر تغليظ العقوبات واتخاذ إجراءات رادعة بحق أصحاب الأعمال بالقطاع الأهلي الذين يسمحون للعمالة المنزلية بالعمل لديهم بالمخالفة للقانون.وشدد على ضرورة درس منع أرباب الأعمال الذين يسرّبون هذه العمالة، من الاستقدام من الخارج أو الكفالة الداخلية، وإدراجهم في قوائم "بلاك ليست"، منعاً لاستمرار هذه الممارسات المخالفة التي تنعكس سلبا على سوق العمل وتشوه صورة الكويت. بدوره، قال صاحب إحدى مؤسسات استقدام العمالة، منصور الرومي، إن "دوران عجلة الاستقدام خلال هذه الأيام، بعد فترات عجاف طويلة، ليس جراء خطوات حكومية جادة اتخذت في سبيل سد النقص الحاد بأعداد العمالة المنزلية التي يتسرّب آلاف منها سنويا إلى القطاع الأهلي بشكل هائل، بل هي وهمية مؤقتة بسبب وقف دولة خليجية استقدام هذه العمالة من الفلبين التي تزوّد الكويت بنحو 70 بالمئة من احتياجاتها من هذه العمالة".ويضيف الرومي: في حال عاودت هذه الدولة فتح باب الاستقدام من الفلبين ستظهر المشكلة جلية، وستعود معاناة المكاتب مجددا من شحّ الطلبات الجديدة، لاسيما أن السواد الأعظم من العاملات يفضلون الذهاب إلى دول الجوار، لأسباب عدة منها زيادة الرواتب الشهرية، وقلة المشكلات الخاصة بالمستحقات المالية ونهاية الخدمة، فضلا عن سرعة الفصل في المنازعات العمالية، ومنح العامل حقوقه كاملة قبل المغادرة".ضبط 1200 مخالف 60% منهم عمالة منزلية هاربة
وفقا لمصدر مطلع في الهيئة العامة للقوى العاملة، فإن فريق اللجنة الرباعية بقيادة الهيئة ضبط نحو 1200 عامل مخالف لقانونَي الإقامة والعمل خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، تشكّل العمالة المنزلية منها نحو 60 بالمئة، مما يؤكد أن الأمر بات ظاهرة تستلزم ايجاد حلول جذرية عاجلة، لمنع تسرّب هذه العمالة إلى سوق العمل الأهلي.