بقايا خيال: أسواقنا القديمة... Ground Zero
الحريق الذي نشب في أسواق «مدينة الكويت القديمة» عصر الخميس 31 من شهر مارس المنصرم، ذكرني بما جرى لمدينة نيويورك الأميركية صباح الخميس 11 من شهر سبتمبر 2001، فبينما كانت حادثة تفجير برجي المركز التجاري في حي منهاتن تحترق واقفة على علو شاهق، كانت حرائق أسواق مدينتنا القديمة تحترق على الأرض تئن من جراح الإهمال الذي أودى بتراثنا إلى غياهب المجهول في غمضة عين. وفي حين ادعى البعض أن حادثة مدينة نيويورك هي من فبركات الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، عن طريق تقنية الهولوغرام التي استخدمت للتمويه وكأن التفجير وقع بسبب اصطدام طائرتين تجاريتين بالبرجين، وأن التفجير الحقيقي وقع داخل البرجين مع لحظة الاصطدام، بدليل اختفاء هياكل الطائرتين ودلائل أخرى كشفتها الكاميرات التي صورت مشاهد الاصطدام من زوايا عدة، فإن هناك من يدعي أن الحريق الذي أتى على بعض أسواقنا التراثية هي من فبركات مستثمرين استهدفوا طرد أصحاب الدكاكين من محلاتهم للتمكن من زيادة الإيجارات. لفتت انتباهي لقطة فوتوغرافية علوية لموقع حريق أسواق المدينة القديمة التقطت في اليوم التالي من الحريق من فوق إحدى البنايات الشاهقة المطلة على هذه الأسواق التراثية ذكرتني بموقع برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك بعد أن أزيلت الأنقاض، حيث (Ground Zero) أو النصب التذكاري للحادثة.
الفرق بين الموقعين أن بإمكان الأميركيين أن يعيدوا بناء برجي المركز التجاري، أما الأسواق التراثية الكويتية فما من أحد يملك القدرة الخارقة على إعادة هذه المواقع التاريخية تماماً كما كانت قبل الحريق، لكي نحظى من منظمة اليونسكو بصك اعتراف بضرورة الحفاظ على هذه الأسواق التراثية، ومن يضمن عدم وقوع حريق آخر في هذه الأسواق بعد اليوم؟ ومن يضمن عدم إصابة الأجهزة الرقابية بالتكاسل في رقابة أصحاب المحلات ومدى اتباعهم اشتراطات الأمن والسلامة؟ أحد مقاطع الفيديو التي صورت بداية الحريق أظهر أن محل شركة لبيع العطور لم يتمكن أصحابه من السيطرة على حريق اشتعل بداخله بسبب تخزين مواد سريعة الاشتعال، والدليل أن انفجارات وقعت في المحل أثناء الحريق، وبسببه لم يتمكن أصحابه من السيطرة على الحريق، فانتشر الحريق في بقية أرجاء السوق، وقد اعترف بعض أصحاب هذه المحلات بأن غالبية تجار العطور كانوا يخزنون «قناني» كبيرة من الكحول السريع الاشتعال داخل محلاتهم دون التفاتة من أي من الأجهزة الحكومية المعنية مثل البلدية والإطفاء وغيرهما للتفتيش الدوري على هذه المحلات للتأكد من اتباع أصحابها لاشتراطات الأمن والسلامة. لقد نمى إلى علمي من مصادر موثوقة أنه بعد مرور يومين على حادثة الحريق الأخيرة قامت الأجهزة الرقابية بالتفتيش على محلات العطور التي سلمت من الاحتراق، واكتشفت عدم تقيد بعض المحلات باشتراطات الأمن والسلامة، حتى بعد أن رأوا بأم أعينهم ما حدث من دمار وخراب لغيرهم، فوضعت الشمع الأحمر على هذه المحلات، ولهذا نتساءل: ما الذي يؤكد لنا أن هذه الأجهزة الحكومية الرقابية، ومعها محلات العطور، لن تعود إلى عادتها القديمة والنوم في العسل؟