على طريقة «لا يفل الحديد إلا الحديد»، تحاول طهران تغيير مفاوضها الرئيسي مع الأحزاب الشيعية في العراق، بعد إخفاق دام ستة أشهر في الاتفاق على تشكيل الحكومة الجديدة، ويبدو أن الوقت حان للاستعانة بإيرانيين من أصول عراقية كمفاوضين، لمحاولة فك أكبر انسداد عراقي منذ سقوط صدام حسين.

الأوساط السياسية في بغداد مشغولة منذ أيام ببدء استدارة إيرانية، فقائد «فيلق القدس» العميد إسماعيل قآني المكلف ملف العراق بات يمثل عقبة تفاهم حتى مع الفصائل المسلحة الموالية لطهران، إذ وصفوه بأنه عسكري بحت تنقصه الخبرة السياسية الكافية، للعمل كوسيط. وقد ترك سلفه الشهير قاسم سليماني، فراغاً لا يسده أحد كما يبدو.

Ad

والواضح الآن أن طهران اختارت شخصيتين من أصول عراقية، ليقوما بدور أساسي في بغداد. كلاهما بدأ مع الحرس الثوري، بعد أن تعرض ذوو الأصول الإيرانية (أطلق عليهم نظام صدام مسمى التبعية) للتسفير من العراق عام ١٩٨٠.

وكلاهما عمل مع السفارة الإيرانية في بغداد أعواماً طويلة بعد سقوط صدام حسين، الأول هو محمد كاظم آل صادق حيث سيكون السفير الجديد، وهو المتحدر من عائلة نجفية إيرانية، والخبير بالآداب العربية ولهجات العراق، والموصوف بأنه متشدد جداً ومولع بتصدير السيارات الإيرانية الرخيصة والرديئة إلى أسواق العراق.

أما الثاني فهو حسن دانائي فر، بشخصية مشابهة لصاحبه، لكنه من كربلاء، وقد عمل سفيراً في بغداد، حتى عام ٢٠١٧.

وعاد اسمه للظهور في العراق منذ مطلع شهر رمضان حين جمّد مقتدى الصدر كل المفاوضات، وتحدثت مصادر رفيعة عن اتصالات مكثفة يجريها دانائي فر من أربيل شمالاً، حيث تتعاظم مشاعر السخط الإيرانية على الزعيم الكردي مسعود بارزاني الحليف الأبرز للصدر، إلى بغداد التي تقول صالوناتها، إن دانائي فر سيكون هو محور الترتيبات الجديدة التي تحاول إقناع الصدر بإدخال تعديلات على رؤيته للحكومة الجديدة.

ويريد الصدر أن يتكيف مع الجو الضاغط الناتج عن الحركات الاحتجاجية منذ عام ٢٠١٩، وأن يكسر تقليد الكتلة الشيعية الأكبر، بالعمل مع الأكراد والسنة والعلمانيين، وإبقاء الخاسرين داخل الأحزاب الشيعية في خانة المعارضة. لكن حلفاء إيران يرون في ذلك بداية للقضاء على نفوذهم.

ويذكر مسؤولون من داخل أجواء المفاوضات، أن إيران بدأت تدرك وجود تحولات عميقة في الرأي العام العراقي أنتجت قواعد عمل جديدة لا يمكن إلا التكيف معها، بهدف حصر الخسارات، رغم أن المشكلة تبقى في وجود آراء إيرانية متناقضة تعقد قواعد الاشتباك في بغداد.

الأوساط السياسية التي تحاول أن تفهم معنى استعانة إيران بدبلوماسيين اثنين من أصل عراقي، دفعة واحدة، داخل النقاط المعقدة كلها، مشغولة كذلك بالسيرة الذاتية لسفيرة أميركا الجديدة في العراق إلينا رومانوسكي، التي تابعوها جزئياً وهي تخدم في دولة الكويت خلال العامين المنصرمين، حيث عينتها إدارة دونالد ترامب ونقلتها إدارة جو بايدن إلى العمل في العراق.

التعليقات المحلية تقول، إنه وسط التحولات الجديدة والمفاجآت التي لا تنتهي، هناك رجلان من إيران وامرأة من أميركا، سيبدأون أدواراً جديدة، والثلاثة في صدفة أخرى، سيتكلمون العربية بطلاقة، جيئة وذهاباً في كل صالونات العراق.

● محمد البصري