حين قصد وزيرا الخارجية والدفاع الهنديان واشنطن في الأسبوع الماضي للمشاركة في محادثات رفيعة المستوى مع الولايات المتحدة، كانا يأملان إعادة تفعيل الشراكة الاستراتيجية بين نيودلهي وواشنطن، لكن طغت الخلافات المرتبطة بأوكرانيا والمخاوف من انتهاك حقوق الإنسان في الهند على تلك الاجتماعات أو المؤتمرات الصحافية التي تلتها على الأقل.من وجهة نظر الرئيس جو بايدن، تطرح الهند اليوم معضلة غير متوقعة، فحين وصل بايدن إلى الرئاسة في السنة الماضية، كان يتوقع أن يُركّز على تهديدات الصين ويبني تحالفاً من الديموقراطيات ضدها، فاستضاف بايدن، في مرحلة مبكرة من عهده، «قمة الديموقراطية» لتحقيق هذه الغاية بالذات. تلقّت الهند دعوة لحضور تلك القمة واعتُبِرت شريكة أساسية في استراتيجية واشنطن الخاصة بمنطقة المحيطَين الهندي والهادئ، ثم أقدمت روسيا على غزو أوكرانيا وتغيّر الوضع كله بين ليلة وضحاها.
يوم الأحد الماضي، طرح مستشار الأمن القومي في فريق بايدن، جيك سوليفان، ثلاثة أهداف أميركية أساسية على ضوء هذه الأزمة الجديدة: «استرجاع أوكرانيا الحرّة والمستقلة، وإضعاف روسيا وعزلها، وتقوية الغرب وتوحيد صفوفه وزيادة قوة تصميمه».لكن إذا أصبح عزل روسيا من أهم الأهداف السياسية في واشنطن اليوم، فستكون الهند عائقاً أمام هذه المساعي، ورداً على هذا النوع من الجهود، بدأت الهند تجري محادثات مع موسكو لاستشكاف الطرق التي تسمح لها بالتحايل على العقوبات الغربية، بما في ذلك المتاجرة بالعملات المحلية، وقبل الحرب في أوكرانيا، كانت روسيا جهة هامشية لتوريد الطاقة إلى الهند، لكن خلال شهرَي مارس وأبريل من هذه السنة، وقّعت الهند على عقود لاستيراد النفط من روسيا بكميات تفوق ما كانت تستورده في عام 2021.برأي واشنطن، تملك الهند أسباباً اقتصادية وجيهة لتحدي الغرب ومتابعة عملياتها التجارية مع روسيا، لكن إذا كانت الهند حليفة واشنطن ضد الصين، فستصبّ هذه التجارة في مصلحة الولايات المتحدة أيضاً لأنها تسمح بتقوية النفوذ الهندي، فقد زادت أهمية مصادر الطاقة والسلع قليلة الكلفة من روسيا لتسريع تعافي الهند بعد أزمة كورونا، كذلك ستكون الأسلحة الروسية، التي تشكّل حتى 60% من ترسانة الهند، بالغة الأهمية في أي حرب مع الصين.لكن يحتاج بايدن إلى جواب عن سؤال أكثر أهمية: هل يمكن اعتبار الهند حليفة جديرة بالثقة ضد الصين؟في الفترة الأخيرة، ذكر عدد كبير من المحللين أن التراجع الديموقراطي في الهند يزيد خلافاتها مع واشنطن أكثر من بكين، لا سيما في مجال حقوق الإنسان، لكن تبدو الهند أكثر توافقاً مع الصين في مسائل أخرى تحمل طابعاً تكنوقراطياً، ويتّضح هذا التوافق أيضاً خلال النقاشات في الأمم المتحدة ومجموعة العشرين ومنتديات أخرى، وفي الأسبوع الماضي، اعتبرت واشنطن قواعد توطين البيانات التي اقترحتها الهند عائقاً أمام التجارة الرقمية، وتبدو مواقف الهند في هذه المواضيع ومسائل سيبرانية أخرى قريبة من توجهات الصين أكثر من الغرب.في المقابل، يظن النقاد أن استمرار النزاع الحدودي بين الهند والصين يعني أن نيودلهي ستبقى عدائية تجاه بكين، مما يُشجّع الولايات المتحدة على دعم الهند في هذا الصراع، لكن قد لا يكون هذا الوضع دائماً بقدر ما يفترض البعض، وتعتبر بكين القواسم المشتركة بين البلدين على المستوى الأيديولوجي فرصة يمكن استغلالها.من المتوقع أن يفوز الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بولاية ثالثة وغير مسبوقة في وقتٍ لاحق من هذه السنة وقد يرغب في إعادة تقييم السياسة الخارجية الصينية، فيقرر مثلاً طرح الصين كمنافِسة واضحة للنظام الليبرالي الغربي ويبني كتلة من الحلفاء لتحقيق هذا الهدف، حتى أنه قد يقوي نفوذ بكين في تايوان، بما يشبه محاولاته في هونغ كونغ خلال السنوات القليلة الماضية.على ضوء هذه التحديات كلها، قد تصبح المشاكل الحدودية مع الهند (تزامناً مع تراجع القواسم المشتركة بين واشنطن ونيودلهي) مصدر إلهاء في أفضل الأحوال أو تعطي عواقب مدمّرة في أسوئها، ففي الشهر الماضي، أبلغت الصين الهند بأنها تسعى إلى توسيع شراكاتها في آسيا، وقد يعتبر رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، هذا الخيار مغرياً جداً إذا أبدى شي جين بينغ استعداده لتقديم تنازلات كبرى على الحدود.برأي بايدن، تطرح هذه الظروف المتبدّلة في آسيا مجموعة من المعضلات السياسية ولن يكون حلّها سهلاً بأي شكل.* محمد زيشان
مقالات
مشكلة بايدن مع الهند
24-04-2022