عاش شمال لبنان، خصوصاً مدينة طرابلس توتراً منذ مساء أمس الأول، بعد الإعلان عن غرق قارب في البحر المتوسط قبالة شاطئ القلمون، على متنه نحو 60 مهاجراً غير شرعي بينهم لبنانيون وسوريون وفلسطينيون كانوا في طريقهم الى أوروبا هربا من البلد الذي يشهد أزمة اقتصادية سببت زيادة في عدد عمليات الهجرة غير النظامية عبر البحر.

وقال الجيش اللبناني، أمس، إنه انتشل 5 جثث لمهاجرين، بعد انتشال جثة طفلة أمس الأول، ليرتفع عدد ضحايا غرق «قارب الموت» إلى 6، بحسب حصيلة مؤقتة، في حين قدرت مصادر مدنية القتلى بـ 14.

Ad

وقالت قيادة الجيش اللبناني، أمس، إن قواتها البحرية تمكنت من إنقاذ 45 شخصاً، وأضافت، في بيان، أن غرق المركب جاء نتيجة تسرُّب المياه بسبب ارتفاع الموج والحمولة ‏الزائدة، مضيفة أن القوات البحرية عملت بمؤازرة المروحيات على سحب ‏المركب وإنقاذ معظم من كان على متنه، وقدمت لهم الإسعافات الأولية ونقل المصابين إلى المستشفيات.

وأشارت الى أن الجيش وقّف أحد المشتبهين بتورطه في التهريب، وبوشرت التحقيقات بإشراف القضاء المختص.

دورية الجيش

وأوضح قائد القوات البحرية في الجيش اللبناني، العقيد الركن هيثم ضناوي، في مؤتمر صحافي أمس، من قاعدة بيروت البحرية لشرح ملابسات غرق مركب طرابلس، أن المركب الذي غرق قديم وصغير، ولا وجود لوسائل أمان فيه والحمل المسموح له هو 10 اشخاص فقط، فيما كان يحمل ما يزيد على 15 ضعفا ذلك.

ولفت الى أن دورية الجيش حاولت إيقاف الزورق وإقناع قائده بأن الركاب سيكونون معرّضين للغرق في وسط البحر، إلا أن قائده اتخذ القرار بتنفيذ مناورات للهروب بشكل أدى إلى ارتطامه». وأكد أن الجيش لم يستعمل السلاح ولم يرتكب أي خطأ تقني.

جاء ذلك، وسط اتهامات من بعض الناجين بأن دورية الجيش اصطدمت بالزورق بطريقة عنيفة، مما أدى إلى غرقه. وقال أحد الشهود الذي زعم انه كان على متن المركب، إن قاربا تابعاً للجيش وجّه تحذيرات للقارب من مغبة مواصلة الرحلة غير الشرعية، إلا أن القائمين على المركب والركاب رفضوا الاستجابة والعودة أدراجهم، فما كان من الجيش إلا أن صدم القارب، مما أدى الى غرقه.

ونقلت صحيفة النهار اللبنانية عن إحدى الناجيات بأن «زورقًا اصطدم بالقارب الذي تعطّل على الفور، وأخذت الأمواج الكبيرة ترتطم به والمياه تملؤه». وزعمت الناجية التي كانت على متنه مع أطفالها الأربعة أن «الزورق الذي طاردهم كان أمنيًا، وحاول منعهم من إكمال الرحلة نحو إيطاليا».

عون وميقاتي

وأعلن المكتب الإعلامي في الرئاسة اللبنانية أنّ الرئيس ميشال عون «تابع تفاصيل غرق الزورق وعمليات إنقاذ الركاب وتقديم العلاج لهم، وطلب من الأجهزة القضائية والعسكرية فتح تحقيق في الملابسات التي رافقت حادثة الغرق».

أما رئيس الوزراء نجيب ميقاتي فتابع مع قائد الجيش جوزيف عون ملف البحث عن ركاب الزورق والتحقيقات الجارية في الحادثة. وأبدى «حزنه الشديد للحادثة المؤلمة»، مشددًا على أن «الإسراع في التحقيقات لكشف ملابسات الحادث مسألة ضرورية لمعرفة حقيقة أسباب الحادث المؤلم». وتمنى ميقاتي على «المواطنين الشرفاء ألّا يقعوا ضحية عصابات تستغل الأوضاع الاجتماعية لابتزازهم بمغريات غير صحيحة وغير قانونية».

وأعلن ميقاتي​ الحداد الرسمي على ضحايا الزورق، وطلب تنكيس الأعلام المرفوعة على الإدارات والمؤسسات الرسمية والبلديات حداداً، وتعديل البرامج العادية في محطات الإذاعة والتلفزيون، بما يتوافق مع المناسبة الأليمة، كما وجه بتقديم كل المساعدات الممكنة لعائلات الضحايا.

من ناحيته، رأى رئيس الحكومة الأسبق ​سعد الحريري​، أنّه "عندما تصل الأمور بالمواطن اللبناني اللجوء إلى قوارب الموت هرباً من جهنم الدولة، فهذا يعني أننا أصبحنا في دولة ساقطة، و​طرابلس​ اليوم تعلن بلسان ضحاياها هذا السقوط".

واعتبر أنّ "الشهادات التي صرح بها ضحايا قارب الموت خطيرة، ولن نقبل بأن تدفن في بحر المدينة. المطلوب تحقيق سريع يكشف الملابسات ويحدد المسؤوليات… وخلاف ذلك لنا كلام آخر".

بدوره، دعا رئيس مجلس النواب ​نبيه بري السلطات إلى "إجراء تحقيقاتها بسرعة وشفافية مطلقة وكشف ملابسات هذه الجريمة المتمادية بحق أبناء الشمال وعاصمتها الفيحاء طرابلس، وإنزال أقصى العقوبات بحق المرتكبين". وأضاف بري "أن العزاء الحقيقي في هذه اللحظات الحزينة أن يسمع جميع المسؤولين في لبنان على مختلف مواقعهم خصوصاً من هم في السلطة التنفيذية والوزارات المعنية لصوت أبناء طرابلس والشمال المفجوعين بفلذات أكبادهم من أجل مقاربة حقيقية تضع حداً لحرمان هذه المنطقة العزيزة من لبنان، وإنقاذ أبنائها الشرفاء والطيبين من مصيدة الموت المجاني هذه".

وختم بري: "هي لحظة يجب أن تكون وطنية جامعة ويداً واحدة لمؤازرة أبناء طرابلس".

توتر وإطلاق نار

وشهدت مدينة طرابلس التي ينتمي إليها معظم من كانوا على الزورق، أمس الاول توتراً، حيث جرى إطلاق نار كثيف في الهواء، تعبيرًا عن الغضب من جراء الكارثة. وتناقل الناشطون عبر مواقع التواصل، لقطات فيديو أظهرت الأهالي وهم في حالة غضب كبير، وقد حمّلوا رموز النظام اللبناني في السلطة مسؤولية ما آلت إليه أوضاع الناس اجتماعيًا في لبنان، مما أدى إلى سعيهم خلف الهجرة حتى بطريقة غير نظامية.

وتجمّع أشخاص من عائلات بعض الركاب للاطمئنان على أقاربهم، لكنهم مُنعوا أيضا من دخول الميناء. وقال رجل ينتظر أنباء عن قريب له خارج الميناء «حدث هذا بسبب السياسيين الذين أجبروا اللبنانيين العاطلين عن العمل على مغادرة البلاد». ويعاني لبنان الذي يناهز عدد سكانه ستة ملايين نسمة، أزمة مالية غير مسبوقة يقول البنك الدولي إنها على نطاق تشهده عادة دول تعيش حروبًا. وفقدت الليرة أكثر من 90 بالمئة من قيمتها الشرائية، ويعيش غالبية السكان تحت خط الفقر، في ظل أزمة كهرباء ومحروقات وأدوية.

وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن 1570 شخصًا على الأقل، بينهم 186 لبنانيًا، حاولوا المغادرة في رحلات بحرية غير نظامية من لبنان باتجاه قبرص خلال العام الماضي.

ويتجه أغلب المهاجرين غير النظاميين إلى جزيرة قبرص، العضو في الاتحاد الأوروبي، والتي تبعد 175 كيلومترا عن سواحل لبنان. وبلغ عدد هؤلاء المهاجرين عام 2019 نحو 270 بينهم 40 لبنانيا، ومعظم الذين يحاولون مغادرة لبنان عن طريق البحر هم من اللاجئين السوريين، لكنّ أعداد اللبنانيين بينهم في تزايد.

غضب عودة ومواصفات الراعي

في سياق آخر، احتفل المسيحيون اللبنانيون الذين يتبعون التقويم الشرقي بعيد القيامة المجيدة أمس. وفي عظة العيد بكاتدرائية القديس جاورجيوس ​وسط بيروت، أشار متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس، ​​المطران الياس عودة، أنّه «في السنتين الماضيتين عبّر المواطنون عن استيائهم وغضبهم، والآن جاء وقت الامتحان، فهل سيترجمون غضبهم في صناديق الإقتراع؟ وهل سيحاسبون من فجّر مدينتنهم وعرقل التحقيق؟ ومن بذّر أموالهم وقضى على أحلامهم؟ ومَن يحاول اليوم هدم الصوامع لطمس الجريمة، بحجة أنها تشكّل خطراً على الحياة؟ فيما الذي يشكّل خطراً على الحياة هم الفاسدون».

من ناحيته، حدد البطريرك الماروني بشارة الراعي مواصفات الرئيس المقبل، معتبرا أنه يجب على الرئيس المقبل أن «يعمل على تحديثِ علاقاتِ المكونّاتِ الميثاقية في ظل دولة قادرة على استيعاب التعددية واحتضان الجميع في نظامٍ لامركزي موسع. ويعمل ساعيًا على أن يتوحد الولاء، ويُلتزم بالحياد، وتطوى جميع المشاريع الدخيلة على وطننا ومجتمعنا، وتتساوى النظرة إلى لبنان». وأضاف أنه على الرئيس الجديد أن «يصبّ قواه على تعزيز استقلال لبنان وسيادته وهويته الأصيلة من خلال شرعية ملتزمة بالدستور والميثاق».