هل تُعجّل «معاناة» بوتين الأوكرانية خُطط شي لغزو تايوان؟
يرى المحلل الاستراتيجي الأميركي هال براندز أن أحد أهم التساؤلات بشأن الحرب التي يخوضها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا، التي دخلت شهرها الثالث، يتعلّق بالدروس التي ستستخلصها الصين من الغزو الروسي لأوكرانيا. وقال براندز، في مقال رأي نشرته وكالة "بلومبرغ" الأميركية للأنباء، إن المراقبين الغربيين يأملون أن يقنع ذلك "الغزو المتعثر" الصين بعدم التسرع، وأن يثني ذلك الرئيس الصيني شي جينبينغ عن القيام بغزو تايوان. ومع ذلك، هناك احتمال كبير في إمكان أن يدفع ذلك بكين إلى التعجّل، واستخدام القوة بمزيد من الضراوة والحسم على أمل تجنب المأزق نفسه الذي تعثرت فيه موسكو.
ويضيف براندز، أن التعلُّم من حروب الآخرين تقليد عريق، ففي مطلع القرن العشرين تمعن المراقبون الغربيون بدقة في الحرب الروسية اليابانية للتعرف على لمحات عن ديناميكيات الحرب الحديثة. فأثناء الحرب الباردة، كان للدروس المستخلصة من الحروب العربية الإسرائيلية تأثير قوي على استعدادات موسكو وواشنطن لصدام قوى عظمى، لم يحدث مطلقاً. ومن المؤكد أن المراقبين الصينيين يمعنون النظر في الوقت الحالي في الأحداث التي تقع على أرض المعركة ورد الفعل العالمي تجاه هجوم بوتين. وهناك روايتان متضاربتان بشأن ما يتعلمه المراقبون. الرواية الأولى التي يروجها كبار المسؤولين في "البنتاغون" وبعض المحللين الآخرين تتمثل في أن أوكرانيا توفر لبكين نموذجاً تحذيرياً. فالمسؤولون الصينيون يرون الآن مدى صعوبة غزو دولة تقاتل من أجل البقاء الوطني. ومن المرجح أن جيش التحرير الشعبي، الذي لم يخض أي حرب كبيرة منذ أكثر من 40 عاماً، اتعظ من مدى سوء تنفيذ جيش استبدادي مثله المهام المعقدة المرتبطة بالحرب العصرية. ولا بد أيضاً أن أداء الاستخبارات الأميركية، الذي حرم بوتين من أي شيء يشبه مفاجأة استراتيجية قد أصاب شي بالذهول، ومن ثم كان بمنزلة تحذير واضح بأن الصين أيضاً قد تتعرض لفشل أي خطط عدوانية. أما الرواية الثانية، فيضيف براندز، بأنه من المؤكد أنه لم يفت على شي أيضاً ملاحظة التكاليف الاقتصادية التي فرضها العالم الديموقراطي على موسكو، والوحدة التي تجسّدت في مواجهة هجوم غير مبرّر، وحقيقة أن الحرب تدفع إلى ظهور تحالف أطلسي أكثر قوة. وعلى هذا الأساس، يمكن لحرب دامية في أوروبا أن تساعد في الحفاظ على السلام في أسيا. ومن الممكن أن ترغم حكومة شي على إعادة النظر في مجموعة كبيرة من الافتراضات حول كيف سيكون أداء جيش التحرير الشعبي جيداً في ظل ضغط الحرب والتداعيات التي قد تسببها أي حرب لبكين. ومن المؤكد أن هذا هو الدرس الذي يريد المسؤولون الغربيون أن يستخلصه شي، وهي رغبة تعكس بالتأكيد بعض الغبطة التي شملها تقييم الغرب لأدائه. وإذا كانت الديموقراطيات أذهلت نفسها بدعمها لأوكرانيا، حينئذ من المؤكد أن شي أصيب بالذهول أيضاً. ويقول براندز، أستاذ كرسي هنري كيسنجر للشؤون العامة في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جون هوبكنز الأميركية، إنه ربما. يستخلص شي درساً مختلفاً كثيراً. فمن المفترض أن شي لاحظ أن الولايات المتحدة والديموقراطيات الأخرى وفّرت أسلحة وتدريباً ومالاً لأوكرانيا لكنها امتنعت عن المشاركة في القتال. وربما لا يهتم شي كثيراً بالعقوبات التي فرضت على موسكو، في ضوء تردد أوروبا في اتخاذ خطوات أكثر صرامة، مثل الإسراع بوقف مشتريات الطاقة الروسية الذي من شأنه أن يؤلم مواطنيها. وإضافة إلى ذلك، يعرف الصينيون أن اقتصادهم الأكبر والأكثر تعقيداً من اقتصاد روسيا سيكون من الصعب كثيراً تضييق الخناق عليه. وربما يرى شي أن خطأ بوتين ليس قراره بغزو أوكرانيا، ولكن الخطأ هو قيامه بالغزو بطريقة مضطربة، وغير حاسمة وفّرت للأوكرانيين الفرصة لصد الهجوم ولواشنطن وحلفائها فرصة جعل موسكو تدفع الثمن. ويقول براندز، إن هذا التفسير قد يدفع شي إلى اتجاه أكثر خطورة، وقد يقنعه أن الأساس لكسب أي حرب محتملة بشأن تايوان هو استخدام القوة المفرطة، التي تشمل وابلا من الصواريخ يسبب الشلل، وهجمات سيبرانية منسقة، وحملات اغتيال وتخريب، يتبعها غزو حاسم واسع النطاق، لكسر مقاومة تايوان قبل أي تدخل من جانب الولايات المتحدة وغيرها من الدول. وهذا الاستنتاج يتلائم تماماً مع تقليد عسكري صيني لطالما ركز على الهجمات المفاجئة، في ظل كتابات عقائدية تدعو إلى تأكيد السيطرة على أي منافسة في لحظاتها الأولى. ويوضح براندز أن هناك مساحة للتخمين لا غنى عنها بالنسبة لهذا الوضع. فحتى مراقبي الصين الموهوبين يعانون لاختراق غموض النظام الصيني ومعرفة ما يدور في عقل شي. والدروس التي ستستخلصها الصين من حرب أوكرانيا قد تتطور مع تطور الحرب: فنجاح أو فشل روسيا في نهاية المطاف يمكن أن يكون عاملاً حاسماً.