عبّرت في إحدى مقالاتي، عند أول زيارة لي إلى تركيا، عن دهشتي لكثرة الصروح والمتاحف العثمانية الإسلامية، وسعدت كمسلم ذلك الحرص الواضح على حفظها، وترتيبها والاعتزاز بها، كان أكثرها روعة وشمولا متحف أو قصر «توب كابي»، وكنا متعطشين لرؤية التاريخ العثماني والاطلاع عليه، وعلى الآثار والمقتنيات العربية والإسلامية التي نقلت إليه إبان الاحتلال العثماني لكثير من البلاد العربية، ولكنها ويا للأسف كانت صدمة، فلم نستطع وقتها أن نقرأ أو نفهم تاريخنا في ذلك المتحف المهيب، فلم يكن هناك أي لوحات إرشادية لنا نحن العرب. فالملاحظ في تركيا، ورغم أن اللغة العربية تعتبر ثالث أكثر اللغات انتشارا في العالم، وهي إحدى اللغات الرسمية في الأمم المتحدة ومنظماتها التابعة، ورغم أنها معتمدة في معظم دول العالم، ورغم أنها لغة القرآن، فإنها تبدو وكأنها مطموسة في ذلك البلد الإسلامي المهم، وهذا فعلا يدعو إلى الامتعاض من أن تتبرأ منها أقرب دولة غير عربية التصاقا واحتواء للغة العربية منذ قيامها، مفردات وكتابة، فهناك قانون رسمي صدر في سنة 1925، فرضه كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية الحديثة، ينص على تحريم الكتابة والتحدث بالعربية، ويبدو أنه ما زال ساريا.
هناك رغبة أكيدة لكثير من الأتراك على تعلم العربية، لوجود شريحة كبيرة منهم من المحافظين الذين يهمهم قراءة القرآن والاطلاع على تعاليم دينهم بلغته الأصلية، فقد كان آباؤهم وأجدادهم يتكلمون العربية ويكتبون بها، ويريدون التواصل مع تاريخهم الذي كتب أصلا بها، فقصة اللغة العربية مع تركيا وشعبها قديمة ومتداخلة، وإقبال الأتراك المتزايد على تعلم العربية دافعه وصل حاضرهم بماضيهم، وهناك ما لا يقل عن ثمانية ملايين تركي من أصول عربية، منهم قبائل عريقة، وهناك ملايين اللاجئين العرب، وهناك سياح عرب تتزايد أعدادهم بشكل كبير، ومن الجميل استمالتهم ومراعاة شعورهم حالهم كحال الناطقين باللغة الإنكليزية، رغم أن العرب هم الأولى.فكم نتمنى أن تعتمد اللغة العربية في تركيا كلغة أساسية في المطارات والشوارع والمتاحف، وما نتمناه أكثر أن يزيد التقارب بين العرب وتركيا سياسيا واقتصاديا، فلا شك أن مصالح تركيا الحقيقية مع العرب وتحديدا مع مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن، وشخصيا أعتقد أن أقرب بلد غير عربي الى قلوب العرب هي تركيا، وعلى وجه الخصوص الى قلوب الخليجيين.وننتهزها فرصة هنا لنهمس في أذن سعادة السفيرة التركية المسلمة، عائشة كويتاك، التي نكنّ لها كل التقدير والاحترام، بأنها لا بد وأنها لاحظت أن معظم السفراء الأجانب، أوروبيين وآسيويين، يحرصون على التحدث معنا باللغة العربية، ما عدا سعادتك فحديثنا معك لا يتم إلا باللغة الإنكليزية، أليس ذلك بمحرج لكم وغريب عندنا؟ نقول، السيد إردوغان قال في كلمة مهمة جدا تصب في هذا الاتجاه: «ليس هناك أمة في العالم لا تستطيع قراءة وكتابة تاريخها وحضارتها، ليس هناك أمة في العالم لا يمكنها قراءة شواهد قبور أجدادها»، وهي إشارة إلى عدم قدرة الأتراك اليوم على القراءة والكتابة بالعربية والعثمانية التي كانت تكتب بالحرف العربي، على عكس ما كان عليه أجدادهم، أفلا تعتقدون أن الوقت قد حان لتحقيق هذه الأمنية؟
مقالات
في الصميم: يا سيد إردوغان... أين لغة القرآن؟
26-04-2022