بدأت روسيا وأوكرانيا تسابقان الوقت، فالرئيس فلاديمير بوتين يريد تحقيق شكلٍ من الانتصار بحلول 9 مايو، ويرغب في استغلال الذكرى السابعة والسبعين لهزيمة ألمانيا النازية على يد الروس للاحتفال بنهاية حربه الكارثية التي أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين وتدمير أوكرانيا التي ترفض التخلي عن استقلالها وسيادتها. يُصِرّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من جهته على أن الوقت لا يصبّ في مصلحته ويؤكد حاجته إلى المزيد من الدعم العسكري من القادة الغربيين، بدل مواقف التهئنة والإشادة، لمتابعة مقاومته للقوات الروسية.
في الأوساط الأوروبية، بدأت الخلافات تتّضح رغم إجماع الأوروبيين سابقاً على فرض العقوبات ضد روسيا وإدانتهم المتكررة لحرب بوتين في أوكرانيا، ومن المتوقع أن تتعمق هذه الانقسامات مع مرور الوقت.حين تنتهي الحرب، قد تُصعّب هذه الخلافات طرح سياسة خارجية وأمنية ودفاعية قوية من جانب الاتحاد الأوروبي لأن الحرب في أوكرانيا لا تتمحور بكل بساطة حول علاقة أوروبا المستقبلية مع أوكرانيا وروسيا، بل إن هذه الحرب، بغض النظر عن نتيجتها، ستُعمّق انعدام الثقة بين أعضاء الاتحاد الأوروبي أو ربما بدأت تلك الثقة تتلاشى منذ الآن.في ألمانيا، تبدو الحكومة الائتلافية التي يقودها المستشار أولاف شولتس منقسمة على نحو مرير بشأن طبيعة الدعم العسكري الذي يُفترض أن تتلقاه كييف، حيث يدعم أعضاء "حزب الخضر" و"الحزب الديموقراطي الحر" تسليم أسلحة ثقيلة لأوكرانيا، لكن يُصِرّ "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" بقيادة شولتس على المماطلة لأنه يتمسك حتى الآن بمقاربة سلمية ومعادية للولايات المتحدة وصديقة لروسيا.عند التطرق مراراً إلى مسألة حظر إمدادات النفط والغاز الروسية، تقول برلين إن هذه الخطوة تعني أن تتحمّل الأُسَر الألمانية أعباء ارتفاع أسعار الطاقة، وهذا صحيح لكن يرفض شولتس وقادة آخرون، مثل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان (أشرس داعم لبوتين في الاتحاد الأوروبي)، أن يفسّروا للرأي العام أن هذه الحرب لا تتمحور حول مستقبل أوكرانيا فحسب بل تؤثر أيضاً على استقرار أوروبا المستقبلي وتترافق مع ثمن باهظ.تشعر إيطاليا بالقلق من ارتفاع أسعار الفائدة، فقد عبّر رئيس الوزراء ماريو دراغي عن دعمه الصريح لأوكرانيا، حتى أنه أيّد حظر إمدادات الطاقة، وعلى غرار الألمان أصبح دراغي مضطراً للتعامل مع الحركات السلمية التي تريد إنهاء الحرب ومنع إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا، لكنها ليست أكبر مشكلة يواجهها دراغي في الوقت الراهن، إذ تتعلق أبرز معضلة اليوم بما يحصل في البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت.إذا قرر البنك المركزي الأوروبي رفع أسعار الفائدة، فسيترافق هذا القرار مع أثر كارثي على روما نظراً إلى ارتفاع الدين العام الإيطالي، فهو يبلغ 147% من الناتج المحلي الإجمالي (ثاني أعلى معدل بين دول منطقة اليورو بعد اليونان).لا يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يُعرّض أحد اقتصاداته الرائدة لهذا النوع من الضغوط، لأن هذه الخطوة قد تُضعف عملة اليورو بدرجة كبيرة تزامناً مع تباطؤ النمو الاقتصادي في أنحاء أوروبا.في فرنسا، انعكست الآثار الاقتصادية للحرب على الانتخابات الرئاسية، وتجلى ذلك في المواجهة الأخيرة بين الرئيس إيمانويل ماكرون والمرشّحة الشعبوية مارين لوبان أمس 24 أبريل، حيث كتب المحلل مارك بيريني حديثاً أن فوز لوبان سيزعزع أسس حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. باختصار، لا يمكن الاستخفاف بالتداعيات الاقتصادية التي سبّبتها الحرب الروسية في عدد من دول الاتحاد الأوروبي.يكشف المشهد الأوروبي اليوم أن الحكومات تهتم بتحقيق مصالحها الخاصة، مما يمنح بوتين المزيد من الوقت، وتبقى العقوبات المفروضة حتى الآن هائلة ويعجز الجيش الروسي عن الاستيلاء على كييف، لكن لا تمنع هذه العوامل بوتين من إطالة الحصار الوحشي على "ماريوبول، حيث يواجه 100 ألف شخص المجاعة أو يعجزون عن المغادرة تزامناً مع استمرار قصف بلدات ومدن أخرى.يبقى عامل الوقت الأهم بالنسبة إلى أوكرانيا في حين يتابع زيلينسكي القتال لحماية استقلال بلده، لكن يجب أن يهتم جميع الأوروبيين أيضاً بهذا العامل.* جودي ديمبسي
مقالات
الوحدة الأوروبية تتلاشى في الملف الأوكراني
26-04-2022