«لوبان» خسرت الرئاسة الفرنسية لكنها ربحت المعركة
معركة الرئاسة الفرنسية لم تنته بعد، والانتخابات التشريعية والبلدية على الأبواب، وفيها سيتقرر وضع الرئيس «بطبعته الجديدة»، فالنتائج التي انتهت إليها الجولة الثانية، أفرزت قوة «اليمين المتطرف» بأكثر من 42% من الأصوات وهي نسبة قد تتغير بعد شهرين أو أقل، والواقع أن ماكرون، كما تروي دبلوماسية فرنسية متقاعدة، غذى هذا التيار الشعبوي عبر قانون «محاربة الانفصاليين» وتعمد إقفال العديد من المساجد وجمعيات مدنية تهتم بشؤون المسلمين بحجة حماية التطرف الديني، كان من مصلحة «الرئيس المتجدد» أن تبقى مارين لوبان وحدها في مواجهته لضمان نجاحه. سيبقى المشهد ضبابياً ما لم يحسم ماكرون نتائج الانتخابات النيابية في شهر يونيو القادم، وقد نشهد مفاجآت سواء من اليسار أو تيار مارين لوبان، عندها كيف سيشكل حكومته؟ وهي ستضطر إلى اتباع نهج فرانسوا ميتران بدعوة اليمين للتعايش معه؟ وماذا بشأن الـ28% من الذين امتنعوا عن التصويت، وهؤلاء قد يغيرون ميزان القوى في الجولات القادمة؟ تحليلات المراقبين السياسيين ممن يعرفون فرنسا جيداً، يتوقعون أن يتجه الرئيس إلى التشدد مع المهاجرين من شمال إفريقيا والقارة السوداء، فقد آن الأوان لتغيير صورة هذه الجالية النمطية كي لا تقع ثورات وأعمال عنف وتتسبب «بحروب أهلية» وهو التعبير الذي استخدمه ماكرون نفسه في المناظرة الثانية؟
هناك هجمة أوروبية باتجاه كل ما هو «أجنبي» من وجهة نظر أستاذة جامعية كويتية عاشت في فرنسا، «فالقارة العجوز» تعمل على طرد من هو دخيل على قوميتها وهويتها الثقافية وهذا ما لاحظته من خلال زياراتها إلى باريس. نتائج الانتخابات الرئاسية لم تفرز حالة الانقسام السياسي فقط، بل أعطت صورة لا تخطئها العين وهي أن «الأيديولوجيا» العنصرية لن تتراجع بل ستزداد تغلغلاً في المجتمع، وأن نصف المواطنين تقريباً لا يريدون التعايش مع الآخرين بل يرفضونهم، لذلك كانت «لوبان» الصوت المعبّر والحقيقي عن هذه الشريحة، وهناك باحثون متخصصون وجدوا أن الذين صوتوا لمارين لوبان، ليسوا كلهم من اليمين المتطرف، بل قوة مشاعر الرفض تجاه سياسات ماكرون أدت إلى تضخم نتائج القوميين. الأفكار التي كان «اليمين المتعصب» يدافع عنها وصلت الآن إلى القمة وأصبحت تفرض نفسها في الساحة السياسية حتى إن بقي الرئيس الجديد يبحث عن إجابات وحلول «لمواجهة الغضب» الذي أثارته «لوبان» . النتيجة ستسمح لليمين بحصد عدد أكبر من المقاعد في مجلس النواب القادم «واللعبة السياسية» كما أسمتها زعيمة الجبهة الوطنية لم تنته بالكامل بل ستبدأ منذ الآن ومع اقتراب الانتخابات التشريعية. هناك من شعر بالنصر لهزيمة «اليمين» وإسناد مستقبل فرنسا إلى «لوبان» وهو خبر سار للوحدة الوطنية كما أوضح زعيم حزب اليسار ميلانشون، فالرهان عند اليسار واليمين المتطرف أن يكسب الجولة الثانية والقادمة من الانتخابات النيابية، وهذا ما يمنحهم الفرصة بتسمية رئيس حكومة جديد يمثل أحد التيارات المناهضة للرئيس، وبالتالي يضعه في الخانة الصعبة بحيث يصبح غير قادر على ترجمة وعوده ولا حتى برنامجه الاقتصادي والاجتماعي.موضوع الهوية الثقافية وعلاقتها «بالمطبخ الفرنسي» يذكرني بكتاب غير مسبوق أصدره الكاتب والمفكر الفرنسي من أصل سوري فاروق مردم بيه وصاحب دار نشر فرنسية بعنوان «مطبخ زرياب» وفيه روايات كيف قام زرياب بتعليم «أهالي قرطبة»- إسبانيا حالياً– بإعداد الأطعمة البغدادية وترتيب أطباق الوجبة على الموائد الأنيقة، وكذلك الطعام الدمشقي والأغذية الصحية وأرسى قواعد اللباس بحسب الفصول. المهم أن ما تناقلته وسائل الإعلام عن الشاورما التركية أعاد طرح أسئلة وردتني من أصدقاء، لماذا أبقوا على «الكسكسي» ورفضوا الشاورما؟ على سبيل المثال، وكيف تناسوا معركة «الهامبرغر» في بداية الثمانينيات وكانت هذه الوجبة السريعة وغير الصحية تجسد واقعاً أميركيا يغزو فرنسا «المستقلة» في عقر دارها دون أن نسمع كلمة عن الخوف من «اللاجئين» و«الدخلاء»؟