اتفاقية للتعاون بين قيرغيزستان وأميركا
خلال رحلة إلى آسيا الوسطى في منتصف شهر أبريل، أجرت وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للأمن المدني والديموقراطية وحقوق الإنسان، عزرا زيا، مقابلة مع وكالة الأنباء «أكي برس» في قيرغيزستان حيث شددت على «الأهمية التي تعطيها الولايات المتحدة لتقوية علاقاتها مع قيرغيزستان وآسيا الوسطى»، تزامنت هذه الجولة مع تصاعد الاضطرابات حول العالم نتيجة الغزو الروسي الشائك لأوكرانيا.ذكرت زيا في مرحلة لاحقة أن بيشكيك وواشنطن تقتربان من عقد اتفاقية جديدة للتعاون المشترك بين البلدين، إنه تعليق لافت بعد إقدام بيشكيك على إلغاء نسخة سابقة تم الاتفاق عليها في عام 1993، إذ كان قرار الإلغاء ينجم عن خلافات حول مسائل حقوق الإنسان في عام 2015.يظن معسكر المحللين المتفائلين أن إعادة التفاوض حول اتفاقية التعاون المشترك هي فرصة إيجابية لقيرغيزستان التي أصبحت متطورة سياسياً في عام 2015 أكثر مما كانت عليه في عام 1993، أي قبل سنتين فقط على انهيار الاتحاد السوفياتي، وفي نهاية المطاف، لم تتوقف برامج المساعدات الأميركية بعد إلغاء اتفاقية التعاون المشترك، وتكلم الطرفان على مر السنين عن سعيهما إلى عقد اتفاق جديد من دون توضيح التفاصيل.
تعرّضت إنجازات قيرغيزستان في المجال الديموقراطي لضغوط متزايدة بدءاً من عام 2020، فوفق أحدث تصنيف أصدرته منظمة «فريدم هاوس» حول وضع الحرية في العالم، انزلقت قيرغيزستان مجدداً إلى فئة الدول «غير الحرّة» غداة تراجع جذري في تصنيف البلد خلال السنة السابقة، وينجم هذا الوضع عن عملية نقل السلطة المضطربة والمشبوهة التي أوصلت صدير غاباروف إلى الرئاسة والنزعة الشعبوية المقلقة التي يتمسك بها هذا الأخير لحُكم البلد.من خلال التوقيع على اتفاقية جديدة للتعاون المشترك، قد تحصل الولايات المتحدة على أداة فاعلة لتوسيع تعاونها مع البلد والتأثير عليه إيجاباً، تزامناً مع تقديم حبل نجاة اقتصادي لقيرغيزستان التي أصبحت بأمسّ الحاجة إلى هذا النوع من المساعدات. حين سُئِل غاباروف عن وجهة السياسة الخارجية في قيرغيزستان، شدّد الرئيس على تبنّي سياسة خارجية متشابهة مع جميع دول العالم، فقال: «باعتبارنا بلداً صغيراً، يجب أن نقيم علاقات محترمة مع جميع الدول الأخرى، فما الداعي للتورط في السياسات العالمية الكبرى؟ يجب أن نحرص على التخلص من ديوننا الخارجية وتحسين اقتصادنا، لهذا السبب، يُفترض أن نوقّع على اتفاقيات اقتصادية مع جميع الدول، لا الولايات المتحدة وحدها».وفي سؤالٍ حول ارتباط هذا النهج بأوكرانيا، ردّ غاباروف سريعاً: «لا علاقة لأوكرانيا بما نفعله، يجب ألا نُسيّس هذه المسألة»، ثم حرص غاباروف على المساواة بين طرفَي الصراع في أوكرانيا، فزعم أن الفريقَين يملكان فرصاً متساوية لمنع الحرب وأن المعلومات الكاذبة ضلّلتهما، وفي ما يخص موقف قيرغيزستان من كل ما يحصل، تساءل غاباروف: «هل سيفوز أحدهما فوراً إذا عبّرنا عن دعمنا لأحد الطرفين»؟ لكن يصعب فصل المحادثات المتجددة حول اتفاقية التعاون المشترك عن الحرب في أوكرانيا أو المخاوف من انحراف قيرغيزستان عن طريق الديموقراطية.في ما يخص الحرب في أوكرانيا، يفضّل غاباروف أن يحافظ على موقف سياسي حيادي لكنّ هذه النزعة لا تلغي الأضرار الاقتصادية التي تتكبدها قيرغيزستان بسبب هذا الصراع، وستكون أي طريقة تضمن تدفق أكبر المساعدات الإنسانية والتقنية مُرحّباً بها، فقد تراجعت المساعدات الأميركية إلى قيرغيزستان على مر السنين من 51 مليون دولار من ميزانية وزارة الخارجية في عام 2014 إلى 41 مليون دولار خلال السنة المالية 2016، واقتصرت الحصة المطلوبة في السنة المالية 2022 على 31.4 مليون دولار، وينجم هذا التراجع عن عوامل متنوعة، منها الخلاف الآنف ذكره حول حقوق الإنسان في عام 2015، فضلاً عن تلاشي المصالح الأميركية في المنطقة غداة انحسار الوجود الأميركي في أفغانستان بعد عام 2014، ثم انسحاب القوات الأميركية بالكامل في عام 2021.في ملف حقوق الإنسان، يبدو أن تراجع المصالح الأميركية، لا سيما في أفغانستان، قد يُمكّن واشنطن من تكثيف ضغوطها في هذا المجال، فلم تتّضح بعد فرص التوقيع على اتفاقية التعاون المشترك في المستقبل القريب (في الوقت نفسه، استقال وزير خارجية قيرغيزستان فجأةً في 22 أبريل). لكن يثبت التطرق إلى هذه الاتفاقية المحتملة خلال مقابلات حديثة لمسؤولة أميركية ورئيس قيرغيزستان أن الطرفَين يتابعان مساعيهما لعقد اتفاق جديد، حتى لو لم يصلا بعد إلى مرحلة التوقيع الرسمي.* كاثرين باتز