بين معيار الجدارة ومعيار العيارة
كتاب مايكل ساندل الجديد "استبداد الجدارة، أين سيصبح الصالح العام" أثار الكثير من الاهتمام والنقاش في الولايات المتحدة والعالم، ساندل هو أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة هارفارد، وهو هنا يذهب إلى بعد آخر في نقد مبدأ الجدارة، لنأخذ مثالاً على هذا الاستبداد، فأغلبية الطلاب والطالبات في أفضل ثلاث جامعات أميركية "هارفارد، ييل، برنستون" هم من أبناء الأثرياء الذين يشكلون نسبة العشرة في المئة من المجتمع الأميركي، فهل هم أجدر من غيرهم أي الأغلبية الذين لا يجدون مكاناً في أفضل الجامعات هناك.الإجابة نافية، ويقرر الكاتب أن هؤلاء الذين تم قبولهم، جدارتهم وليدة الصدفة والحظ بأنهم ولدوا من عوائل ثرية، والتي يشدد الأهل فيها على أن يجدوا لأبنائهم مقاعد الدراسة في تلك الجامعات المتقدمة والعالية التكلفة، وبالتالي هم (الأهالي الأثرياء) أيضاً يقدمون التبرعات والدعم لتلك الجامعات، أما بالنسبة لاختبار القبول "سات" فيرى المؤلف أنه ليس معياراً للجدارة إذا ارتضينا بالعدالة، فذرية الأثرياء يتلقون أفضل تعليم في دراستهم قبل الجامعية، وعلى ذلك تصبح حظوظهم أفضل من غيرهم في تحقيق درجات متقدمة في اختبارات "سات".ينظر مايكل ساندل للموضوع من وجهة نظر طبقية، فدائماً الأثرياء في وضع الأفضلية لتحقيق طموحاتهم في أفضل تعليم، وبالتالي أفضل المراكز في المؤسسات الأميركية، لكن لو تصورنا فرضاً أن المؤلف كتب عن الكويت، فهل سيختلف الكلام؟!
نعرف أن في هذه الديرة معيار التنصيب في المراكز العالية هو معيار "هذا ولدنا... وهذا محسوب علينا"، ومن يقول بهذا هم طبعاً الأثرياء جداً ولديهم الفرص أن يحققوا لنسلهم ليس أرصدة ضمانات بنكية عالية فقط، بل توفير أفضل فرص التعليم في جامعات متقدمة أيضاً، وإذا حدث، لا قدر الله، أن هذا النسل الكريم "خيبة" كفاءة وجدارة فإنه في كل الأحوال سيجد مكانه المناسب تحت مظلة "هذا ولدنا" المستقرة في كنف رعاية "عاداتنا وتقاليدنا"، أما الأكثرية فتبحث عن معيار واسطة عشائرية أو معارف قريبين من أهل السلطة لتوفر لهم فرص العيش، وتسير القاطرة الكويتية للخلف ليس على معيار الجدارة بل على معيار العيارة.