b>احتجب عملاق التمثيل يوسف شعبان عن السينما في منتصف التسعينيات، وتفرغ لمهامه رئيساً لنقابة المهن التمثيلية، واقتصر نشاطه الفني على المسلسلات، واكتفى بالمشاركة في بطولة مسلسل واحد كل عام، وقدّم الكثير من الأدوار المتميزة، واقتربت رحلة نجم الدراما المصرية من محطتها الأخيرة.حفل مشوار شعبان بعدد كبير من الأعمال الدرامية المهمة، سواء في التلفزيون أو الإذاعة، وبعضها اختفى بعد عرضه مرة واحدة، مثل مسلسل "عنترة” للكاتب محفوظ عبدالرحمن والمخرج عباس أرناؤوط، وشارك في بطولته مجموعة كبيرة من النجوم، منهم أحمد مرعي وعبدالله غيث وسهير البابلي وأمينة رزق وعماد حمدي وسعد أردش وسميرة عبدالعزيز ومحمد وفيق.
واعتمد الكاتب محفوظ عبدالرحمن رؤية مغايرة لقصة "عنترة بن شداد” التي سبق تقديمها في فيلم سينمائي قام ببطولته النجم فريد شوقي، وتناول المسلسل حكاية البطل عنترة (أحمد مرعي) الباحث عن تحرره الفردي من العبودية، بينما شقيقه شيبوب (عبدالله غيث) شخصية ساخرة من واقعه المأساوي، وفي المقابل شقيقهما جرير (يوسف شعبان) ولا يوجد لتلك الشخصية سند تاريخي، بل أضيفت للسياق الدرامي، لتحاكي شخصية "سبارتاكوس” محرر العبيد، وفيما يلي تفاصيل الحلقة السادسة والأخيرة:
ولا تنتهي رحلة شعبان مع الأعمال المتميزة، حيث قدّم في عام 1980، دور "سيد الدوغري” في مسلسل "عيلة الدوغري” المأخوذ عن مسرحية للكاتب نعمان عاشور، وسيناريو محسن زايد وإخراج يوسف مرزوق، ويتتبع العمل مسار عائلة مكونة من الأب "محمد الدوغري” وله ثلاثة أبناء وبنت، ويتولى رعايتهم بعد وفاة زوجته، وكل منهم يشق حياته بأسلوب مختلف عن الآخر.
«الشهد والدموع»
وكان شعبان على موعد مع عمل درامي متميز، جسّد من خلاله شخصية "سيد” في "ليلة القبض على فاطمة” (1982) قصة الكاتبة سكينة فؤاد، وإخراج محمد فاضل، وبطولة فردوس عبدالحميد وفاروق الفيشاوي، ودارت الأحداث حول شاب انتهازي يتهم شقيقته "فاطمة” بالجنون بعد أن ربته وضحت من أجله.وتابع شعبان رحلته مع الدراما، بدوره المتميز "حافظ رضوان” في الجزأين الأول والثاني من "الشهد والدموع” 1983 و1985 للكاتب أسامة أنور عكاشة والمخرج إسماعيل عبدالحافظ، وشارك في بطولته عفاف شعيب وحمدي غيث ونوال أبوالفتوح ومحمود الجندي وسيد عبدالكريم، وحقق هذا العمل نجاحاً جماهيرياً كبيراً.وقرأ نجم الدراما سيناريو مسلسل "المال والبنون” عام 1992، للمؤلف محمد جلال عبدالقوي والمخرج مجدي أبو عميرة، وأدرك أنه سيشارك في عمل كبير، وتقمص شخصية "سلامة فراويلة” في بطولة جماعية مع عدد كبير من النجوم، منهم عبدالله غيث وأحمد عبدالعزيز وعبلة كامل ووحيد سيف وأحمد راتب وشريف منير وسيد زيان وفايزة كمال وهياتم.ودارت أحداث "المال والبنون” حول يوسف ابن عباس، ورغبته في الزواج من فريال ابنة سلامة، لكنهما يصطدمان برفض العائلة رغم الصداقة القوية بين "عباس وسلامة” ويكتشف يوسف أن والده وسلامة كانا يعملان لدى خواجة جمع ثروته من تهريبه للآثار خارج مصر، وبعد موته أخذ سلامة الأموال بينما امتنع عباس عن ذلك، وحاول أن يبعد أبناءه عن أبناء سلامة.«الوتد» و«الضوء الشارد»
وذهب شعبان إلى أجواء الريف المصري، وجسد شخصية "الحاج درويش” في مسلسل "الوتد” (1996)، قصة الكاتب خيري شلبي وإخراج أحمد النحاس، وبطولة هدى سلطان وهالة فاخر وفادية عبدالغني وفتوح أحمد، وتدور القصة حول "فاطمة تعلبة” الأم ذات الشخصية القوية، ورغبتها في استقرار عائلتها، وتتدخل في اختيارات أولادها، وتحاول توسعة ممتلكات وأراضي العائلة.وفي مسلسل "الضوء الشارد” (1998)، تأليف محمد صفاء عامر وإخراج مجدي أبو عميرة، جسّد يوسف شخصية "وهبي السوالمي” الذي جمع ثروته بطرق غير شرعية، وعاش بعقدة أنه كان يعمل لدى عائلة "العزايزة” ويرغب في أن يحدث بين عائلته وعائلة العزايزة نسب ليتغلب على هذه العقدة.وفي نفس العام، قدّم شعبان دوراً مهماً في مسلسل "امرأة من زمن الحب” للكاتب أسامة أنور عكاشة والمخرج إسماعيل عبدالحافظ، ويدور في إطار درامي حول الفارق بين شخصية السيدة الحازمة وفية (سميرة أحمد) وإلهامي (يوسف شعبان) الرجل الذي تجوّل حول العالم ولم يستقر في عمل، ويرغب في منتصف عمره من الزواج منها، ولكنها ترفض من أجل تربية أبناء شقيقها.وتقمص شعبان دور "العمدة حسيب النجعاوي” في مسلسل "أوراق مصرية” تأليف طه حسين سالم وإخراج نبيل غلام، وبطولة صلاح السعدني وهالة صدقي وأمينة رزق وعايدة عبدالعزيز وحسن مصطفى، وتتناول القصة الدرامية اﻷحداث السياسية في مصر بداية من حُكم الملك فؤاد، ومن بعده الملك فاروق، ودور الحركة الوطنية ضد الاستعمار البريطاني، وصولاً إلى عهد الرئيس أنور السادات.الفنانون يستعيدون ذكرياتهم مع النجم الراحل
حظي شعبان بتقدير وحب زملائه من أجيال مختلفة، وبعد رحيله أعرب نجوم الفن عن حزنهم لفقدان قيمة إبداعية كبيرة، وودعته الفنانة اللبنانية مادلين طبر، بكلمات مؤثرة: "أبهرني ممثلاً، وأنصفني نقيباً”.واستعادت طبر ذكريات أول أعمالها الدرامية في القاهرة مع الفنان الراحل، وهو مسلسل "ما وراء النهر” عن قصة للأديب الكبير طه حسين، وجسدت دور "الغجرية” بينما جسد شعبان شخصية "رئيس القبيلة”، وفي الكواليس كان متواضعاً ومحباً ومتعاوناً مع من حوله، ويتعامل معها كأنها نجمة مصرية يعرفها منذ عشرات السنين، وعندما ترأس نقابة الممثلين، منحها العضوية العاملة، وظل العمل معه يتسم بالمودة والسعادة.وعقب رحيله ، تحولت صفحات الفنانين عبر السوشيال ميديا، إلى دفتر عزاء للفنان الراحل، وكتب الفنان نبيل الحلفاوي: "رحلة ممتدة من شبرا إلى كل أنحاء الوطن العربي، ظل خلالها يمتعنا بأعماله، رحل يوسف شعبان، ومعنا سيبقى سلامة فراويلة وحافظ رضوان ووهبي السوالمي ومحسن ممتاز وغيرهم، أحياء من جيل إلى جيل”.وعن دوره النقابي، ذكر الفنان فتوح أحمد أن "الفن العربي خسر قامة عظيمة من قامات الدراما، وفناناً قدم الكثير لزملائه من خلال عمله النقابي، لاسيما أنه أسس نادي النقابة، وساهم في دخول موارد للنقابة نتج عنها علاج أسر أبناء الفنانين، ومعاشات وخدمة العمل العام”.واستعاد فتوح ذكرياته مع يوسف شعبان، خلال كواليس مسلسل "الوتد” وكان يلعب دور شقيقه الأصغر، لافتاً إلى أن الراحل كان خفيف الظل ويتمتع بالدعابة، وجعلهم يشعرون أنهم أشقاء بالفعل. ونعاه الفنان محمود البزاوي بقوله: "رحل الأستاذ يوسف شعبان وعاش محسن ممتاز... رحل الفنان وعاش رمز من رموز الوطنية المصرية”.
«أحلام مؤجلة»
والتقى يوسف شعبان النجم عزت العلايلي في "أحلام مؤجلة” (2000)، تأليف منال المنشاوي وإخراج عمر عبد العزيز، وفي نفس العام، شارك في بطولة مسلسل "السفينة والربان”، للكاتب حسن المملوك وإخراج حسن بشير، ومسلسل "العائلة والناس” قصة مجدي صابر وإخراج محمد فاضل وبطولة كمال الشناوي وفردوس عبدالحميد ونهال عنبر وسيد عبدالكريم.وفي العام التالي مباشرة، قام بدور البطولة في مسلسل "حمزة وبناته الخمسة” مع بثينة رشوان وكمال أبورية ونشوى مصطفى وإخراج هاني إسماعيل، وتدور الأحداث حول المحامي "حمزة” المشغول بعمله، وتتولى زوجته "رقية” مهمة الأم والأب معاً، وبعد رحيلها، يجد نفسه مسؤولاً عن العبور بالعائلة إلى بر الأمان.كما شارك يوسف في المسلسل الأردني "وضحا وابن عجلان” عام 2007، ويعتبر هذا العمل الدرامي نقلة نوعية في مسيرته الفنية، وشاركته البطولة من سورية سلوى سعيد ومن الأردن نبيل المشيني إلى جانب مجموعة من كبار الممثلين الأردنيين والسوريين، وقام بتأليفه أحمد عويدي العبادي، وإخراج عزمي مصطفى، ووقتها كان العمل الدرامي الأكثر مشاهدة في دول الخليج والأردن وسورية.ودارت أحداث المسلسل في إطار درامي اجتماعي، يحكي قصة حب في البادية بين "وضحا وابن عجلان” لكن الشيخ "عقاب” والد وضحا يقوم بغزو آبار الحفر، ليجبر رعاة مواشي الشيخ "ابن عجلان” على الخروج من المنطقة، ويشتعل الصراع بينهما.«الهرم الرابع»
وبعد اختفاء عن شاشة السينما دام نحو ستة أعوام، التقى شعبان جمهوره مرة أخرى في فيلم "الفيل في المنديل” (2011)، للمخرج أحمد البدري، وجسّد شخصية "الضابط رامي” أمام الفنان طلعت زكريا، وفي عام 2015 تقمص دور مريض نفسي "مليجي” في فيلم "برد الشتا” إخراج بيتر ميمي، وبطولة مجموعة من الفنانين الشباب. والتقى شعبان مرة أخرى مع بيتر ميمي والنجوم الشباب أحمد حاتم وتارا عماد وميرهان حسين في فيلم "الهرم الرابع” (2016)، وفي نفس العام أسدل الستار على مشواره السينمائي، بظهوره كضيف شرف بشخصيته الحقيقية قي الفيلم الكوميدي "المشخصاتي 2” إخراج محمد أبوسيف، وبطولة تامر عبدالمنعم وإيمي ومحمد لطفي.وجاء ظهوره الدرامي الأخير كضيف شرف في مسلسل "ملوك الجدعنة” عام 2021، تأليف عبير سليمان وإخراج أحمد خالد موسى، وبطولة عمرو سعد ومصطفى شعبان ورانيا يوسف، وعرض هذا العمل في شهر رمضان العام الماضي.المحطة الأخيرة
اقتربت رحلة عملاق التمثيل يوسف شعبان من المحطة الأخيرة، وكان في ذروة تألقه الفني، وطار إلى لبنان لأداء دوره في مسلسل "عش الدبابير” وهناك اشتد عليه المرض، وعاد إلى مصر، وتدهورت حالته الصحية، واحتجز في غرفة العناية المركزة بأحد مستشفيات القاهرة إثر معاناته صحياً جراء إصابته بفيروس "كورونا”.وفي أيامه الأخيرة أصيب بصدمة نفسية، عقب معرفته أنه أصيب بهذا الفيروس القاتل، ودخلت أسرته في حالة حزن شديد عليه، كما أصيبت زوجته نتيجة مخالطتها له، ولكن حالتها الصحية كانت أفضل، بينما منعه الأطباء من الحركة والكلام، وفقد الوعي، وجرى وضعه على جهاز التنفس الصناعي، حتى رحيله يوم 28 فبراير 2021، عن عمر ناهز 90 عاماً.ترك الفنان يوسف شعبان ثروة فنية هائلة، وصار من عمالقة التمثيل على مستوى الوطن العربي وعلى مدار أكثر من نصف قرن ظل واقفاً ليعطي الفن الذي أحبه وعشقه حتى النخاع، ورفض الابتعاد عنه حتى بعد أن تغيرت الظروف، وفرض موهبته المتفردة على الساحة الفنية، ورغم نيله الكثير من التكريمات، كان يرى أن التكريم الحقيقي للفنان، أن يقدم أعمالاً تبقى في ذاكرة الجمهور.زينب وسايناي تكشفان شخصيته أباً
جسد شعبان الكثير من الشخصيات المتباينة، وظل دور الأب أفضل أدواره بعيداً عن الكاميرا، وكان مقلاً في الحديث عن حياته الخاصة، وبعد رحيله كشفت ابنتاه "زينب وسايناي” جوانب علاقتهما بوالدهما، وكيف كان يقضي وقته مع أسرته بعيداً عن الأضواء والشهرة.واستعادت الإعلامية زينب يوسف شعبان (ابنته من زوجته الكويتية السيدة إيمان خالد الشريعان) ذكرياتها، وأن طفولتها لم تكن عادية، ووقتها كان الأطفال من جيلها ينشغلون بأمور تناسب أعمارهم، ولكنها كانت ترافق والدها في معظم الأوقات إلى الاستديوهات، وهناك يقوم بتصوير أعماله ساعات طويلة، أو تذهب معه لزيارة أحد أصدقائه الفنانين، وهذا الأمر لم تفعله طفلة مثلها.ومن المواقف التي لا تنساها في صغرها، أن والدها كان يمسكها من عنقها، واعتبرت ذلك حينها نوعاً من الملاطفة بين الأب وابنته، لكن عندما كبرت أدركت أن هذه الحركة ترمز إلى شيء أكثر عمقاً في معناه وهو أنها تمثل سنداً وعوناً له، وهذا الشيء لا ينمحي من ذاكرتها أبداً.وتعلمت زينب من والدها الاهتمام بالأناقة والمظهر العام، ولم يفرض عليها شيئاً، وكان يعلم أنها تميل إلى العمل الإعلامي والظهور أمام الكاميرا، ورآها مذيعةً أكثر منها ممثلة، لكنها ذكرت أنه إذا سنحت لها الفرصة بالمشاركة في دور البطولة لمسلسل كويتي، فستعمل بنصيحة والدها، فإذا كان الدور عميقاً في محتواه وبإمكانها وضع بصمتها فيه فسوف تقبله من دون تردد.وتلقت زينب نصائح كثيرة من والدها، منها أن العمل الجيد لا يُقاس بالعائد المادي من ورائه، بل بقيمته الجوهرية، وكانت آخر جملة قالها لها قبل رحيله: "خلي بالك على نفسك”، وظلّ يفتخر بها كإعلامية حتى آخر يوم في حياته.أما سايناي، الابنة الكبرى للفنان الراحل يوسف شعبان، وحفيدة الأميرة فوزية ابنة الملك فؤاد الأول، فكانت تعيش مع جدتها وجدها، وكانت هناك قواعد تحكم المنزل، وتمضي وقتها في قراءة الكتب، وضمن القواعد عدم مشاهدة التلفزيون لأنه يهدر الوقت، وكانت تستأذن من جدتها قبل مشاهدة التلفزيون ومتابعة أعمال والدها، وأحبت أفلامه في فترة الشباب، لا سيما فيلم "بائعة الجرائد”.وكان يوسف شعبان يحرص على دعم أبنائه (سايناي وزينب ومراد) وتقديم الكثير من النصائح لهم، وتعامل معهم بشخصية الأب والصديق، ومنحهم حرية اختيار أسلوب حياتهم، وكان لا يتمنى في قرارة نفسه أن يسلكوا درب الفن، حتى لا يتعرضوا للصعاب التي واجهها خلال مشواره الفني الطويل.