بقايا خيال: من سوق الكويت إلى أسواق المباركية
لصغر مساحة الكويت القديمة وسكانها الذين وصل عدد الكويتيين حسب إحصاء عام 1957 إلى 114 ألفاً، تركزت أغلب أسواق الكويت في دائرة لم يتجاوز محيطها كيلومترا واحدا فقط، ولم تكن هذه الأسواق بضخامة أسواق اليوم، إذ يكفي لمجموعة دكاكين متجاورة يمارس أصحابها مهنة أو «صنعة» واحدة أن يطلق على مكان وجود دكاكينهم سوقاً، ولهذا تكدست 39 سوقاً على بقعة صغيرة، كسوق السمك، وسوق البشوت، وسوق الزل (السجاد)، وسوق السلاح، وسوق واجف (الحريم)، وسوق الغربللي، وسوق التجار، وسوق بن دعيج، وسوق الخضرة، والمقصب القديم (سوق اللحم)، وسوق المناخ، وسوق الحلوى، وسوق الحمام، وسوق الصفافير (التناكه)، وسوق المقاصيص، وسوق الصاغة (الذهب)، وسوق الخراريز، وسوق الصناديق، وسوق الجت (البرسيم)، وسوق البوالطو، وسوق البنات، وشارع الأمير، وسوق الفرضة، وسوق التمر، وسوق الشعير، وسوق الخبابيز، وسوق الدهن، وسوق البيبان (الأبواب)، وسوق الحدادة، وسوق الدجاج، وسوق الصراريف، وسوق الطواشة، وسوق الغنم، وسوق الفحم، وسوق الماي، وسوق النداديف، وسوق الساعات وسوق اليهود. تخيل أن كل هذه الأسواق تزاحمت في منطقة صغيرة تحتضن كل هذه الأسواق، ليشار إليها بكلمة سوق، فمثلاً تسأل أحدهم «وين رايح يا فلان؟» فيرد عليك «والله رايح السوق.. وراح تلقاني بسوق السمك»، ولم يطلق الكويتيون على هذه الأسواق اسم «سوق المباركية» أو «أسواق المباركية» إلا أخيراً، فلا يوجد في هذه الأسواق ما يشير إلى هذه التسمية سوى كشك مبارك، الذي يقع على الطرف الشرقي الملاصق لسوق التمر، ومدرسة المباركية التي تقع على الجهة الغربية من سوق التجار ومسجد السوق (قبل بناء مسجد الدولة كبديل). ومهما يكن الأمر فإن التسمية مناسبة لهذا الموقع التراثي التاريخي الذي يجب أن يحظى بمزيد من الاهتمام من قبل الدولة، التي كان يجب عليها إعادة ترميم كل أسواق المباركية وإبراز الطابع الكويتي القديم، وجمع المؤرخين الكويتيين لإعداد سجل تاريخي كامل لهذا المكان الأثري، لكي يحظى بقبول المنظمات العالمية التي تهتم بالتراث الإنساني، وإلا فما الذي يدفع زوار الكويت من الخليجيين والأجانب، ناهيك عن المواطنين والمقيمين لارتياد هذا المكان الذي يجدون فيه مصدراً للاستمتاع؟
إن تدخل المؤرخين في الأسواق التراثية يعد من الضرورات، فقبل فترة فوجئت بأحد الصحافيين غير الكويتيين وضمن تحقيق صحافي قد أطلق على سوق واجف اسم «سوق الحريم»، لمجرد أنه وجد نسوة آسيويات على بسطات هذا السوق التاريخي أو التراثي يبعن ملابس نسائية وأحذية وإكسسوارات، دون أن تبدي إدارة التحرير بالصحيفة اعتراضاً على هذا الاسم ولا حتى بالتوضيح عن هذا الخطأ التاريخي، ولا تدخلت أي جهة حكومية معنية بتاريخ الكويت أو بتراثه لتصحيح المعلومة. يقول المؤرخ الكويتي الراحل حمد محمد السعيدان على الصفحة 1615 من الجزء الثالث من الموسوعة الكويتية المختصرة، عن سوق واجف فيقول إنها (سوق شعبي قديم يبيع فيه الناس سلعهم وهم واقفون في الطريق وليس فيه مكان للجلوس، لأنهم باعة لا محلات لهم)، ويبدو أن الحكومة حاولت فيما بعد تنظيم هذا السوق بأن حددت لكل بائع «بسطة» يبيع عليها بضائعه من ملابس وأحذية وإكسسوارات وغيرها مما يحتاجه رواد هذا السوق.