أولاً وأخيراً: السيرة العطرة لابن عقاب
يعتز الكويتيون كثيراً بأجدادهم الذين ساهموا في بناء الكويت ونهضتها على مدار تاريخها الطويل، وبذلوا الغالي والنفيس من أجلها، وتركوا بصمات وإنجازات يشهد لها الجميع في كل المجالات، واستحقوا أن تخلد أسماؤهم في التاريخ بأحرف من نور، وأن تقص حكاياتهم على المسامع بكل فخر واعتزاز لما فيها من عبر ودروس منها إخلاصهم في العمل رغم ضعف الإمكانات في زمانهم وحبهم للوطن من دون مقابل أو مكاسب شخصية وتمسكهم بالمبادئ والأخلاق الحميدة التي نعمل جاهدين على العيش بها الآن ونتلمس منها خطانا.وبمناسبة شهر رمضان المبارك الذي نعيش في رحابه هذه الأيام سأحدثكم عن أحد أبناء الكويت الأوفياء المرحوم علي بن عقاب بن علي الخزرجي أول من أطلق مدفع رمضان في الكويت، حيث كان مسؤولاً عن المدفع الذي أهدته الحكومة البريطانية إلى حاكم الكويت السابع الأمير الراحل الشيخ مبارك الصباح، وكان ابن عقاب عندما تغيب الشمس في الأفق يشعل البارود الذي في فوهة المدفع فيدوي صوته مجلجلاً لتسمعه أحياء الكويت كلها، وكان يطلق من المدفع طلقتين عند الفطور وطلقتين عند الإمساك، ثم أصبح يطلق طلقة واحدة في وقت الفطور وطلقة واحدة عند السحور، وذلك في عهد الأمير الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح، وفي الأعياد كانت تتم رماية ٧ طلقات، وأثناء زيارة الضيوف كانت تطلق من المدفع ٢١ طلقة. ووفقاً لما ذكره لي الصديق العزيز العميد المتقاعد ناصر خميس الزعابي حفيد الراحل ابن عقاب فإن جده كان يعتز بهذا العمل، ويذهب من منزله مشياً إلى سيف الطوب المكان الذي كان يوجد فيه المدفع «حالياً مقر وزارة الخارجية» كل يوم ٤ مرات ذهاباً وإياباً في شهر رمضان رغم الجو الصيفي الشديد الحرارة والشتاء الممطر الشديد البرودة، ونظراً لهذا الإخلاص والتفاني فإنه حاز احترام وتقدير وثقة حاكم الكويت المغفور له الشيخ مبارك الصباح الذي سمح له بتخزين البارود في منزله، حيث خصص له إحدى الغرف ليضع بها أدوات المدفع والبارود، كما أهداه المغفور له الشيخ سالم المبارك الصباح أرضاً حوّلها إلى مقهى خلف سوق الخبابيز ومحكمة السوق، وكان يجلس عليها المغفور له الشيخ صباح الدعيج الصباح وعبدالله بن خزام رحمهما الله والكثير من النواخذة والتجار منهم عبدالرحمن الياقوت، والمضاحكة، والمباركي، وبوعركي، والسعدون وجاسم اليعقوب وسيد ياسين ووالد خالد جعفر وماما أنيسة والمرحوم محمد الجري وسعد الجري رحمة الله عليهم جميعاً.
لقد كان ابن عقاب بشهادة الكثير من المؤرخين راعي شيمة ونخوه ومحبوباً من الجميع، وكان يمد يد العون لكل محتاج، ويؤوي كثيراً من الناس، ليس هذا فحسب إنما كان له دورٌ وطني بارز في الدفاع عن الوطن، حيث شارك في معركة حمض في يونيو عام 1920 مع المغفور له الشيخ دعيج الصباح، وشارك في معركة الجهراء مع المغفور له الشيخ سالم المبارك الصباح، وفي سنة المجلس أرسله الأمير المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح إلى أهل بوحليفة وهم الشيخ علي المالك الصباح وعائلة الجري يطلب منهم الفزعة والحضور للديرة، فحضروا بكامل أسلحتهم بواسطة لوريات الخشب القديمة.لقد حاولت من خلال هذه السطور البسيطة أن ألقي الضوء سريعاً على المسيرة العطرة للراحل ابن عقاب لنترحم عليه جميعاً في هذه الأيام المباركة ونتذكر أفعاله الطيبة والخدمات التي قدمها للوطن، فسيرة هؤلاء العظماء يجب أن تكون حاضرة وماثلة أمامنا في كل زمان ومكان، وخصوصاً الأجيال الجديدة ليكونوا لهم مثالاً وقدوة في حب الوطن والتضحية من أجله كما يجب على الدولة أن تكرم هؤلاء وتطلق اسمائهم على شوارع ومناطق حيوية، وأن تدرس سيرهم وجهودهم الوطنية في المدارس، فهذا أقل ما يمكن أن يقدم لأبناء الكويت الأوفياء، وفقنا الله لما فيه خير وتقدم بلادنا الحبيبة الكويت وكل عام وأنتم بخير.