اليوم فاقدون وغداً مفقودون
الحياة قصيرة جداً، وما هي إلا محطة عبور، فيجب أن نؤمن بالقضاء والقدر، وأن نتحلّى باليقين التام بحتمية سنّة الحياة، فاليوم نكون فاقدين وغدا مفقودين، فقبل سنوات فقدت أخي، وما زالت صورته شاخصة أمامي في كل مناسبة وفي كل موقف وكأن روحه تعيش معي، وبعدها بسنوات وافت والدي المنية، أبي الذي كان معي يشاركني في كل لحظة يشرد بها ذهني، حين أجلس مع إخواني وأبنائي نستذكر كلماته وأحاديثه التي أصبحت معجماً لنا نتصفحه كلما مر طيفه.مرة تظهر لنا ابتسامته، ومرات تظهر علينا أمارات الشوق والحنين التي تكسر كل قيود اليقين الذي صار عُرفاً لأزمات فقدان أحبّتنا، وتمضي السنون وتنقضي الأيام متراوحة بين لحظات النسيان ووقت نجامل فيه محيطنا لنبين أننا أقوياء من الخارج فقط، غير أننا من الداخل مجموعة مشاعر مختبئة بالحنايا تبوح بها العيون بقطرات تهل على الجفون. ويستمر هذا المشهد ويتكرر بالفقد لكل عزيز وعزيزة على قلوبنا لأن الدنيا فانية ولا تدوم لأحد، وإن كانت هذه سنّة الحياة وطريق حق سيسير الكل إليه بلا شك، لكن الإنسان- بعيداً عن العقائد الدينية- في النهاية هو عَاَلم من العواطف والأحاسيس، فمن منا لم يفقد عزيزا في حياته؟ ومهما تجاوز هذا البُعد تأتي لحظات آنية نسترجع فيها شريط الذكريات ليظهر أحبّتنا المفقودين بلقطات غير قابلة للنسيان.
في الأيام الماضية فقدت برمشة عين صديقي وأخي وحبيبي حسين العواجي الذي كان دائماً خفيف الروح والمعشر وطلق المحيا ولا يحمل في قلبه ذرة كره لأحد، فقبل رحيله قدم لنا مجموعة من الوصايا الحميدة كان يذكرها دائماً لأبنائه ومن باب العظة أنقلها لكم كما هي: «لا تترك الصلاة أبداً، جسدك هو وسيلة نقلك بالحياة اعتن به، كن لطيفاً مع الجميع، كن صاحب همة، لا ترافق الساقطين، تعلم فن الصمت، لا تأكل السكريات، اتق الله، لا تثق بذاكرتك اكتب كل شيء». فيا ترى هل ما زلنا نتمنى أن تكون مثل هذه الأخبار من كذب أبريل، لأن الأوفياء والأنقياء لا نستوعب خبر رحيلهم؟ نسأل المولى عز وجل أن يجمعنا معهم في جنات النعيم، ويبعد عنا وعنكم ألم الفقد ويلهمنا اليقين التام.