لا شك أن أعظم ثروة بإمكانها نقل الدول من شأن إلى شأنٍ آخر يفوقه مستوى في المؤشرات التنافسية العالمية، هي استثمار الدول الصحيح للرأسمال البشري الذي يمثل أساسا لأي هدف أو مشروع تنموي، والكويت لا تخلو من طاقات بشرية تؤهلها للتقدم بتحسين مراكزها المتراجعة في أهم المجالات، بيد أن الخلل الحقيقي الذي تواجهه يكمن في آلية الاستفادة من تلك الطاقات القادرة على صنع ثورة تدعم قطاعات تعليمية وتكنولوجية وصناعية وزراعية وغيرها من القطاعات المتأخرة، كما أن سياسات دعم الطاقات تتم وفق صورة عشوائية وبطيئة وغير مرسومة، بل يغلب عليها محسوبيات متعددة مما يشير إلى وجود فجوة عميقة لدى قرارات الحكومة.

فئة غير محددي الجنسية إحدى الطاقات البشرية المهدورة والضائعة التي من شأنها تغذية المؤسسات الحكومية والخاصة، وتمثل شريحة الشباب ما يزيد على 80 ألف شاب وشابة، أحلامهم وطموحهم بتعليم تخصصي، وإيجاد فرصة عمل، تبدو تائهة دون متابعة حقيقية من جهات الدولة، لاسيما أن هذه الفئة برمتها تشعبت طوال خمسين عاما بعدما زُجت في صراعات سياسية، ومصالح انتخابية، ووعود زائفة، وضغوط نفسية من حكومات عائمة بتراكمات من القرارات الفوضوية، مما صعّب إيجاد حلول لتمكينها من الدخول في الدراسات المستقبلية التي تبنى عليها الدولة.

Ad

ولا يتوقف الأمر على التشعبات فقط، بل ما يزيد على ذلك أن الخطة الإنمائية «كويت جديدة» لعام 2035 لم تهتم بتطوير رأس المال البشري، وتخلو من معالجة عامة لفئة الشباب وما تمر به هذه الفئة من تسيب، لا سيما من الناحية التعليمية بجميع مراحلها، حيث وضعت الخطة في ركيزة رأس المال البشري 19 مشروعاً ترواحت بين دراسات متواضعة لتطوير العمل الإداري وزيادة كفاءة الإدارة المدرسية والتربوية، وتحسين البيئة المدرسية من خلال توفير التقنيات والتجهيزات المتوائمة بالمناهج الدراسية، ومشاريع إنشائية للأندية الرياضية، دون إعادة تنظيم كاملة لرفع مستوى تدريب شريحة لا يُستهان بها في المجتمع، وإن كان أقلها وضع أهمية لمراكز تأهيلية لدفع سوق العمل بالتخصصات التي تحتاجها الدولة، وتمويل أيد عاملة وخلق موازنة للقطاعات لاسيما التمريض والطب، والتعليم، والتكنولوجيا، والميكانيكا، والكهرباء، والصناعة، والزراعة، وغيرها.

ولا يتعلق الأمر بتطوير تلك القدرات، إنما يمتد لقرارات التوظيف الموجودة حالياً، ابتداء من قرار مجلس الخدمة المدنية بشأن أولوية التوظيف بوضع غير محددي الجنسية بالدرجة الأخيرة ولو تطابق مع احتياج المؤسسة الحكومية، إلى عدم وضع نسبة لهم بعد المواطنين في القطاع الخاص إلى جانب العمالة الوافدة، مما يبين عدم النية لمعالجة وضعها، مما سيخلق بالمقابل مزيداً من التعقيد.

محمد جاسم