قال تقرير اقتصادي لبنك الكويت الوطني، إن النمو الاقتصادي ارتفع عام 2022 معوضاً الخسائر الناجمة عن الجائحة، ويواصل اكتساب زخم قوي وسط الانتعاش الذي أعقبها بفضل تحسن معدلات الاستهلاك الخاص، وتزايد النشاط العقاري، وارتفاع أسعار النفط وزيادة إنتاجه. ووفق التقرير، من المقرر أن يعود الناتج المحلي الإجمالي للارتفاع مجدداً ليقترب من مستويات ما قبل الجائحة فعلياً بنهاية العام ليسجل نمواً نسبتة 8.5 في المئة، متوقعا ان تساهم العائدات النفطية الناتجة عن ارتفاع الأسعار في الحفاظ على نمو الاقتصاد الكويتي في ظل صعوبة الظروف الاقتصادية عالمياً بسبب الحرب، وارتفاع معدلات التضخم، وتشديد السياسة النقدية، والضغوط الناجمة عن تفشي مرض "كوفيد 19" في بعض الدول، خصوصاً في الصين.
في التفاصيل، وعلى صعيد القطاع غير النفطي، فسيحافظ الإنفاق الاستهلاكي (+ 36 في المئة عام 2021 وفقاً لبيانات كي.نت) ومبيعات العقارات (+ 65 في المئة ووصلت إلى أعلى مستوياتها المسجلة في 7 سنوات) على معدلات نمو قوية، كما ساهم في تعزيز معدلات الاستهلاك نمو الائتمان المحلي (+ 6.3 في المئة في عام 2021)، الذي استمر في التزايد بعد انتهاء فترة تأجيل سداد مدفوعات أقساط القروض الشخصية للمواطنين الكويتيين في الربع الرابع من عام 2021.أما بالنسبة للائتمان المقدم لقطاع الأعمال والذي عادة ما تتأخر وتيرة نموه مقارنة بنمو الائتمان الشخصي، فقد بدأ يتسارع مؤخراً، في مؤشر جيد لتزايد الاستثمارات خلال فترة التوقعات، حتى في ظل تباطؤ وتيرة أنشطة المشاريع التي تقع تحت مسؤولية الحكومة، ويعتقد أن السلطات تعمل على خطة استراتيجية جديدة لتعزيز النمو غير النفطي على المديين المتوسط والطويل، مع التركيز بصفة خاصة على توسيع نطاق مشاركة القطاع الخاص، إلا ان التجاذبات السياسية القائمة بين الحكومة ومجلس الأمة ما زالت تعرقل التنفيذ الفعال للإصلاحات وبرنامج التنمية المحدد وفقاً لرؤية 2035، حتى الان.وتوقع التقرير أن يتحسن أداء القطاع غير النفطي بفضل مكاسب قطاع التكرير، إذ بدأت شركة البترول الوطنية الكويتية في استخدام 1.4 مليون برميل يومياً من الطاقة التكريرية لمشروعي الوقود النظيف ومصفاة الزور الجديدة. ونتوقع نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي إلى 3.6 في المئة في المتوسط في عامي 2022-2023، أي بزيادة طفيفة مقارنة بتقديرات عام 2021. وفي ذات الوقت، بدأ إنتاج النفط في التزايد تدريجياً وفقاً لجدول حصص الإنتاج الذي أقرته "أوبك" وحلفاؤها. وبالنسبة للكويت، من المقرر أن يرتفع الإنتاج بمقدار 300 ألف برميل يومياً ليصل إلى 2.72 مليون برميل يومياً (في المتوسط) هذا العام، كما يتوقع أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي النفطي إلى 12.8 في المئة قبل أن يتباطأ إلى 3.1 في المئة عام 2023.وأشار إلى تواصل اضطرابات سلاسل التوريد الناجمة عن الجائحة وقوة الطلب الاستهلاكي في دفع مؤشر أسعار المستهلكين في الكويت للارتفاع، إذ وصل معدل التضخم إلى أعلى مستوياته في 10 سنوات عند 3.4 في المئة في عام 2021 ومن المرجح أن يتجاوز 4 في المئة هذا العام بسبب تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية وانعكاسات ذلك على معدلات التضخم، كما ارتفعت تكاليف الإيجار بعد خمس سنوات من الانكماش في ظل تطلع الملاك إلى تعويض ارتفاع تكاليف مواد البناء واستقرار الطلب في سوق إيجارات الوافدين متوسطي الدخل.
السياسة النقدية
وبين التقرير أن بنك الكويت المركزي قام بتتبع خطى الاحتياطي الفدرالي الأميركي ورفع سعر الخصم، الذي يعتبر المؤشر الرئيسي لسعر الفائدة، بمقدار 25 نقطة أساس إلى 1.75 في المئة في مارس. ومن المتوقع تطبيق المزيد من الارتفاعات، لكن المرونة التي يوفرها ربط الدينار الكويتي بسلة من العملات الرئيسية تعني أن بنك الكويت المركزي غير مضطر لاتباع كل خطوات "الفدرالي"، ونتيجة لذلك سوف ترتفع تكاليف الاقتراض، لكن من غير المرجح أن يشهد الطلب على الائتمان تراجعاً شديداً.الرياح المعاكسة
أوضح التقرير أنه على المدى القريب، من المتوقع أن تستفيد الكويت من الارتفاع غير المتوقع للعائدات النفطية، لكن المخاطر الرئيسية تشمل تدهور آفاق نمو الاقتصاد العالمي، مما قد يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط وضعف الميزان التجاري والمالي، ويؤثر سلباً على النمو الاقتصادي. والأهم من ذلك، سيؤدي استمرار الجمود التشريعي واستقالة الحكومة إلى تأخر تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي تعتبر البلاد في أمس الحاجة إليها، مما يحد من آفاق النمو ويحتمل أن يؤثر على التصنيف الائتماني للكويت حتى مع استمرار ارتفاع أسعار النفط. ويجب أن تعالج الإصلاحات اليات تمويل العجز، والنمو غير المستدام للنفقات، وتدفقات الإيرادات غير النفطية غير المستغلة، والتنمية المحدودة للقطاع الخاص وتوظيف المواطنين، ونقص العمالة الماهرة، واختناقات عرض سوق العقارات السكنية. إذ إن معالجة تلك الأمور من شأنه أن يقلل من اعتماد الاقتصاد على النفط ويضع الكويت على مسار أفضل للازدهار في عالم ما بعد الوقود الأحفوري والخالي من الانبعاثات الكربونية.
فائض مالي
وتوقع التقرير أن تسجل الموازنة الحكومية في العام المالي الحالي (2022/2023) أول فائض لها منذ عام 2014 بنسبة 8.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (قبل استقطاع حصة صندوق الأجيال القادمة)، بفضل تزايد العائدات النفطية بشكل كبير وتقليص النفقات -مقابل عجز بقيمة مماثلة تم تسجيله في السنة المالية 2021/ 2022 وسيساهم هذا التحسن الملحوظ في الأوضاع المالية العامة، من حيث المبدأ في إفساح المجال لتيسير السياسات.وعلى الرغم من أن النفقات قد ترتفع بدلاً من انخفاضها بنسبة 5 في المئة كما هو مخطط له في مشروع الموازنة، فمن المرجح أن تتجه الحكومة إلى التحكم النسبي في الإنفاق في المستقبل، حتى يتسنى لها الحد من المخاطر في حالة تراجع أسعار النفط على أقل تقدير.من جهة أخرى، أدى الارتفاع الهائل الذي شهدته أسعار النفط ووصولها إلى مستويات أعلى بكثير من مستوى الأسعار المطلوبة للتعادل المحدد في الميزانية (79 دولاراً للبرميل في السنة المالية 2022/2023) إلى تحسن مستويات السيولة، ومن المقرر أن تساهم الفوائض المستقبلية في إعادة رسملة صندوق الاحتياطي العام شبه المستنفد بالكامل.وتوقع التقرير إقرار قانون الدين العام الجديد خلال العام الحالي، الذي سيمكن الحكومة من العودة إلى سوق التمويل، مما يحسن من مركزها التمويلي مع إبقاء الدين العام (أقل من نسبة 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) عند مستويات منخفضة للغاية وفقاً للمعايير العالمية. وتعتبر الاحتياطيات الخارجية قوية جداً، إذ تبلغ احتياطيات بنك الكويت المركزي 46 مليار دولار، إلى جانب احتفاظ هيئة الاستثمار الكويتية بأصول تصل إلى نحو 700 مليار دولار.