أين تقع خطوط أميركا الحمراء في شرق آسيا؟
لا يزال الاهتمام الجيوسياسي العالمي منصبا على الحرب في أوكرانيا، ولكن يبدو أن تحولا كبيرا، وربما يكون أشد خطورة في الأمد البعيد من غزو روسيا لجارتها، يجري الآن في شرق آسيا نتيجة للحرب التي يشنها الرئيس فلاديمير بوتين.استبعد الرئيس الأميركي جو بايدن صراحة إرسال قوات أميركية إلى أوكرانيا أو إنشاء منطقة حظر طيران فوق أراضيها، ووفقا للسكرتيرة الصحافية في البيت الأبيض جينيفر ساكي، فإن إنشاء منطقة حظر طيران «يترتب عليه بالضرورة إسقاط القوات الأميركية طائرات روسية والتسبب في اندلاع حرب مباشرة محتملة مع روسيا، وهي الخطوة ذاتها التي نريد تجنبها».أثار هذا الموقف انزعاج عدد كبير من الأشخاص في شرق آسيا الذين يعتمدون على المظلة النووية الأميركية، فماذا قد تفعل أميركا إذا قررت الصين، على سبيل المثال، غزو تايوان، أو إذا غزت كوريا الشمالية كوريا الجنوبية، كما فعلت في عام 1950؟ وماذا لو أرسلت الصين سفن خفر السواحل لمحاصرة واحتلال جزر سينكاكو اليابانية؟
بطبيعة الحال، تختلف الأوضاع في تايون، وكوريا الجنوبية، وجزر سينكاكو اليابانية، تمام الاختلاف عن بعضها، وعن الصراع في أوكرانيا، لكن من الخطأ أن تتخلى الولايات المتحدة من جانب واحد عن احتمال الردع العسكري.مؤخرا، زعم رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي أن الولايات المتحدة يجب أن تنهي سياسة «الغموض الاستراتيجي» بشأن تايوان وأن تؤكد بوضوح تام أنها ستدافع عن الجزيرة ضد أي محاولة غزو صيني، لكن العوائق التي تحول دون مساعدة تايوان في الدفاع عن نفسها أعلى مما هي عليه في حالة أوكرانيا، لأن الولايات المتحدة اعترفت بادعاء الصين بأن تايوان جزء من الصين لأكثر من نصف قرن من الزمن، ونظرا لما يسمى «سياسة الصين الواحدة»، فإن قادة الصين سيفسرون أي غزو لتايوان على أنه مسألة داخلية لا عمل عدائي من قِـبَـل دولة أخرى ذات سيادة.إذا لم تتبن الولايات المتحدة اقتراح آبي، وهو أمر مرجح، فإن احتمال فرض عقوبات اقتصادية أميركية هو وحده الذي قد يردع الصين عن عزو تايوان. ولهذا السبب، يشكل نجاح العقوبات الاقتصادية والمالية الحالية بقيادة الغرب ضد روسيا أمرا بالغ الأهمية.الواقع أن مثل هذا الردع شديد الأهمية لتثبيت الاستقرار في شرق آسيا، وفي الرابع والعشرين من مارس اختبرت كوريا الشمالية صاروخها الباليستي الجديد العابر للقارات Hwasong-17، القادر على حمل رؤوس حربية نووية متعددة والذي يغطي مداه المقدر الولايات المتحدة بالكامل، وبمجرد أن تصبح كوريا الشمالية واثقة من قدرتها على ضرب المدن الأميركية، فإن جهودها الرامية إلى فرض التوحيد القسري لشطري شبه الجزيرة الكورية قد تصبح أكثر جرأة.على نحو مماثل، في العشرين من أبريل اختبرت روسيا إطلاق صاروخها الباليستي العابر للقارات Sarmat، القادر على نشر عدة رؤوس حربية نووية بسرعات تفوق سرعة الصوت لضرب أي مكان في الولايات المتحدة، مع تحذير بوتين من أن خصوم روسيا ينبغي لهم أن «يفكروا مرتين» قبل الإقدام على تهديدها، ولأن تهديد العقوبات الغربية لم يكن كافيا لردع روسيا عن غزو أوكرانيا، يخشى كثيرون في شرق آسيا أن يكون لدى بوتين طموحات عدوانية في تلك المنطقة أيضا. على سبيل المثال، تنخرط اليابان وروسيا في نزاع طويل الأمد حول الجزر الشمالية الأربع التي احتلها الاتحاد السوفياتي في أغسطس 1945 بعد أن أشارت اليابان إلى قبولها شروط الاستسلام التي أملاها الحلفاء في إعلان بوتسدام، وعلى الرغم من قبول الشروط، اعتقلت القوات السوفياتية عددا كبيرا من المواطنين والجنود اليابانيين في منشوريا بعد نهاية حرب منطقة الهادئ واحتجزتهم لسنوات في معسكرات عمل في سيبيريا.على الرغم من هذا التاريخ الصعب، حاول آبي الدخول في مفاوضات ودية مع بوتين، واعدا روسيا بمشاريع تجارية مشتركة على أمل تأمين إعادة الجزر سلميا، أو على الأقل الجزيرتين الأصغر والأقرب إلى اليابان، ولكن في النهاية، تعامل بوتين بخشونة مع آبي، ولهذا، تشعر اليابان بالقلق المستمر من أن تتحول هذه الجزر الأربع إلى قاعدة عسكرية لصواريخ روسية قصيرة المدى تستهدف جزيرتها الشمالية هوكايدو.كان الأمر الأكثر إثارة للقلق تلك المهمة الطويلة التي نفذها أسطول بحري صيني روسي مشترك مؤلف من عشر سفن حربية حول الأرخبيل الياباني في أكتوبر 2021، وكان المقصود من هذا بوضوح إرسال إشارة قوية إلى اليابان والولايات المتحدة، الملتزمة بالدفاع عن اليابان بموجب المعاهدة الأمنية الأميركية اليابانية.تستشعر اليابان أيضا تهديدا من جانب الصين، حيث تطوف سفن خفر السواحل الصينية بانتظام حول جزر سينكاكو وتتعدى في بعض الأحيان على المياه الإقليمية اليابانية، فماذا قد تفعل الحكومتان اليابانية والأميركية إذا احتلت الصين فجأة هذه الجزر؟يجب على الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وتايوان التركيز على الأماكن التي يتعين عليها أن ترسم عندها خطوطها الحمراء في شرق آسيا، وإبلاغ روسيا وكوريا الشمالية والصين، بصخب أو بهدوء، بهذه الخطوط، ونظرا للتوترات المتزايدة الحدة التي أوجدتها هذه القوى الثلاث، يجب أن تكون الحدود الضرورية مرئية بوضوح.* وكيل وزارة المالية الأسبق في اليابان، وهو أستاذ في كلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا، وكبير أساتذة المعهد الوطني للدراسات السياسية العليا في طوكيو.* تاكاتوشي إيتو