تطبيق برنامج عمل الكوفيد على الكوليرا

نشر في 01-05-2022
آخر تحديث 01-05-2022 | 00:07
 بروجيكت سنديكيت منذ أن اجتاح كوفيد19 العالم قبل سنتين، أصبحت عبارة «غير مسبوق» من العبارات الرنانة، وفي حين شكّل فيروس كورونا تحدياً فريداً في زمن الترابط العالمي العميق، فإن الجائحات لا تعد أمراً جديداً حتى أن جائحة كوفيد19 لا تعتبر الجائحة الوحيدة التي نشهدها حالياً حيث يتفشى مرض الكوليرا في أماكن كثيرة من العالم النامي.

وفي حين أن «سارس-كوف-2» يعد مستجداً، فإن الكوليرا- مرض ينتقل من خلال المياه ويتسبب بالإسهال وناتج عن بكتيريا فيبريو كوليرا- تعد مرضا قديما كما أن لها تاريخا طويلا من الدمار واسع النطاق، فجائحة الكوليرا الحالية هي جائحة العالم السابعة منذ أوائل القرن التاسع عشر.

على الرغم من اختلافاتهما الواضحة، فإن هناك الكثير من الأمور المشتركة بين كوفيد19 والكوليرا، حيث يمكن على أقل تقدير التحكم فيهما جزئيا من خلال التطعيم، كما أن كليهما ينتشر بسهولة ضمن بيئة مزدحمة وغير صحية، لذلك فإن ضمان المأوى الملائم وتعزيز ممارسات المياه والصرف الصحي والنظافة الشخصية والبنية التحتية تعتبر حيوية للحد من العدوى.

تفسّر هذه القواسم المشتركة لماذا أدت تدابير الحد من كوفيد19 مثل تقليل السفر وزيادة الوعي فيما يتعلق بالنظافة الشخصية إلى انخفاض حالات الكوليرا، ولكن في الوقت الذي ترفع فيه حكومات العالم القيود المفروضة على انتشار الجائحة، فإن الكوليرا تعود بقوة، ففي نهاية عام 2021 كان هناك 16 تفشيا نشطا للكوليرا في جميع أرجاء العالم.

لكن الاستجابة لكوفيد19 لا تزال تعطينا دروساً قيمة من أجل تعزيز المعركة ضد الكوليرا، وذلك بدءاً من أهمية الأبحاث في التصدي لتفشي الأمراض. لقد أدى ظهور «سارس-كوف-2» الى تعزيز الجهود البحثية العالمية الضخمة والمنسقة الى حد كبير، حيث نتج عن ذلك عملية اتخاذ قرارات قائمة على أساس الأدلة على جميع المستويات وذلك من الوقاية الى السيطرة على المرض، فمبادرات مثل مبادرة منظمة الصحة العالمية «خريطة الطريق العالمية البحثية لكوفيد19» ساعدت في توجيه ذلك الجهد والتحقق من توجيه الموارد إلى المجالات التي تشتد فيها الحاجة إلى المعرفة والابتكار.

والأبحاث ليست بأقل أهمية في المعركة ضد الكوليرا، ولهذا السبب أطلقت قوة المهام العالمية المتعلقة بالسيطرة على الكوليرا في العام الماضي أجندة أبحاث خريطة طريق الكوليرا، والأجندة التي تمثل الرؤية الجماعية لمئة وسبعة وسبعين خبيرا عالميا في الكوليرا وغيرهم من أصحاب المصلحة تحدد الأسئلة البحثية ذات الأولوية القصوى، والحصول على الأجوبة يعد ضرورياً من أجل تحقيق الأهداف المنصوص عليها في خريطة الطريق العالمية لقوة المهام العالمية للسيطرة على الكوليرا «إنهاء الكوليرا بحلول سنة 2030».

ان العديد من الأجوبة عن تلك الأسئلة يمكن أن نجدها بسهولة في أجندة الأبحاث المتعلقة بكوفيد19، فعلى سبيل المثال ما الطريقة الأسرع والأكثر فعالية من حيث التكلفة لتوصيل إمدادات محدودة من اللقاحات؟ وكيف يمكننا تعزيز استيعاب واستدامة تدابير الاستجابة من أجل منع المرض من أن يصل الى مستوى وباء أو جائحة؟ وكيف نتواصل بشكل مفيد مع المجتمعات المعرضة للخطر من أجل تصميم التدخلات وتنفيذها؟ وما أنظمة مراقبة الأمراض الأكثر فعالية ومتى وأين يجب استخدامها؟

يمكن أن تكون الأسئلة متشابهة ولكن الجهود المبذولة في الإجابة عنها كانت مختلفة تماماً فالإرادة السياسية القوية المتعلقة بكوفيد19 والاستثمار الضخم ساهمت في تمكين الباحثين من إيجاد أجوبة بسرعة، وعلى الرغم من أن الكوليرا كانت موجودة قبل كوفيد19 بزمن طويل، فإن الحلول لا تزال بعيدة المنال، وإن السبب الرئيس وراء ذلك هو أنه في حين اجتاح كوفيد19 الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، تم القضاء على الكوليرا من شمال العالم قبل أكثر من 150 سنة، علماً أن حشد الموارد للتصدي لمرض يؤثر في الناس الأكثر فقراً وتهميشاً بالعالم هي عملية أصعب بكثير.

لو تمكنا من الحصول على جزء بسيط فقط من الالتزام الذي كان أساس المعركة ضد كوفيد19، فسنستطيع إحراز تقدم منقذ للحياة في أبحاث الكوليرا حيث من الممكن أن تسهم المراقبة الوبائية في تحديد أنماط انتقال العدوى، وإن الاختبارات التشخيصية الجديدة والمبتكرة يمكنها أن تزيد سرعة وكفاءة وجودة الكشف عن الحالات وتأكيدها، ومن شأن اللقاحات الجديدة أو المحسّنة أن تعزز الصلة بين الاستجابة لحالات الطوارئ والمكافحة والوقاية على المدى الطويل.

فتحسين التوقيت والجرعة فيما يتعلق باللقاحات يعتبر حيوياً كما أن من المهم كذلك تعلم كيفية التواصل مع المجتمعات للتحقق من تلبية احتياجات الناس المهمشين، وإن تحقيق تحول إيجابي في علاج المجتمعات الضعيفة يتطلب دراسة تأثير المضادات الحيوية على انتشار الكوليرا وفهم ما الذي يساعد أو لا يساعد في دمج علاج الكوليرا ضمن إدارة الحالات من قبل العاملين الصحيين في تلك المجتمعات.

والحصول على مثل تلك المعرفة يعني أن البلدان والشركاء الصحيين سيكونون في وضع أفضل لاختيار الأدوات والمقاربات الأكثر فاعلية من أجل تنفيذ خططهم الوطنية لمكافحة الكوليرا، وهذا بدوره سيسّهل عملية جذب التمويل الإضافي، الأمر الذي من شأنه أن يقود الى المزيد من التقدم.

لقد تعلمنا الكثير خلال جائحة كوفيد19، فاستمعنا إلى مسؤولي الصحة العامة لدينا واتخذنا خطوات للحد من انتشار الفيروس: ارتداء كمامات الوجه بالإضافة الى التباعد الاجتماعي والحجر الصحي والتطعيم وغسل أيدينا بانتظام، ويجب علينا الاستفادة من زيادة الوعي تلك وذلك الزخم في الحصول على المزيد من المكاسب المتعلقة بالصحة العامة، وهذا لا يقتصر على مجتمعاتنا فحسب بل على العالم برمته.

وهذا يعني استهداف آفات أخرى أقدم بكثير حيث توجد لدينا الأدوات التي نحتاجها للتغلب على الكوليرا، ولكن لا يزال يتعين علينا إجراء الأبحاث المطولة لتحديد كيف ومتى وأين نستخدمها وعندئذ يمكننا حماية السكان الأكثر ضعفا في العالم من هذا المرض الموجود منذ زمن طويل.

* الفردوسي قادري هي عالمة أولى ورئيسة وحدة المناعة المخاطية واللقاحات في المركز الدولي لأبحاث أمراض الإسهال في دكا، والدكتور توفيق الإسلام هو نائب منسق المشروع في وحدة المناعة المخاطية واللقاحات في المركز الدولي لأبحاث أمراض الإسهال في دكا.

* الفردوسي قادري وتوفيق الإسلام

Project Syndicate

back to top