عندما تُغلق عليك منافذ الحق
بقدر ما تتوسع وتقوى السلطة القضائية في اختصاصها بمواجهة السلطتين التنفيذية والتشريعية، تقوى وتثبت بدورها حقوق الأفراد وحرياتهم التي يصونها القانون. لكن ما العمل حين يكون القانون ذاته ظالماً ومشوباً بعيب اللادستورية أو اللاعدالة؟ ماذا يصبح دور السلطة القضائية في مواجهة ذلك، وتلك القوانين المجحفة بحقوق الإنسان؟قد يُتصور هنا أن واجب القضاء أن يجد منفذاً للتخفيف من آثار "حماقة" تلك القوانين الظالمة، ويتغيا حكم العدالة لا للهروب من ظلم القاعدة القانونية، بل للحد من آثارها. في الدول التي يقوم القضاء فيها على مبدأ السابقة القانونية كمعيار للأحكام القانونية كالنظم الأنجلوسكسونية، دور القضاء عندها يصبح خلّاقاً ومبدعاً وأقوى سلطة من مثيلاتها في الدول التي تأخذ بالنظام اللاتيني، ولنا مثال على تلك الأنظمة نجده في الولايات المتحدة الأميركية، التي أقرت المحكمة العليا فيها مبادئ رائعة بالعدالة والحد من سلطة رئيس الدولة أو قوانين المجالس التشريعية، مثل قضايا التمييز العنصري والمساواة بين الجنسين وغيرها من أمور.في الكويت التي تتبع النظام اللاتيني، ومهمة القضاء فيها تقتصر على تطبيق النص القانوني (كمبدأ)، بصرف النظر عن أحكام العدالة يمكننا أن نفهم الحكم الأخير لمحكمة التمييز، وهي بصدد توحيد أحكام دوائرها، بمنع القضاء من النظر في قضايا الجنسية بصفة مطلقة واعتبارها من مسائل السيادة التي يكون فيها للسلطة امتياز اعتبار أعمالها محصنة من نظر القضاء لتقرير مدى مشروعيتها أو احتساب اعتبارات العدالة فيها.
بموجب هذا الحكم الذي استند إلى قانون غير عادل، يصبح للسلطة الحاكمة الحق المطلق في أن تمنح أو تلغي الجنسية عن أي مواطن، وبهذا تصبح حقوق المواطنة - تطبيقاً لهذه النصوص التشريعية - مجرد أرقام ليس لها أي أهمية، فمن يستطيع مساءلة هذه السلطة في دولة ليست الديموقراطية فيها متكاملة، حين تسحب السلطة الجنسية وتلغيها عن أي مواطن دون أسباب غير - ربما - مزاجية السلطة ولاعتبارات سياسية مطلقة لا علاقة لها بالعدالة؟ فأنت مواطن اليوم، لكن غداً لا أحد يعلم كيف تكون هذه المواطنة إذا رأت السلطة غير ذلك! وأنت اليوم كويتي "بدون" ولكنك تستحق الجنسية، إلّا أنك لا تملكها لأنّ السلطة ترفض منحها لك، فما العمل؟هل ننتظر أن يشرع مجلس الأمة قانوناً يلغي - وهناك مشروع بذلك - تلك القوانين الظالمة؟ لكن أين هو المجلس اليوم؟ هو معلّق في الهواء كبقية حقوق المواطنة، فماذا يصنع هذا الإنسان المواطن وقد أغلقت أمامه كل منافذ اقتضاء حقوقه؟!