يخبرني أحد العاملين في المجال الخيري عن تبرعات الكويتيين في رمضان، وكيف أنها أقامت المساجد والمدارس وسكن الأيتام واللاجئين، وأعانت الطلبة ووزعت الملابس والمواد الغذائية في عشرات الدول في العالم، وبلغت هذه التبرعات التي جاد بها أهل الكويت في رمضان فقط ملايين الدنانير، وقال أيضا إننا بمجرد أن نعلن عن مشروع معين للمسلمين المحتاجين في إحدى بقاع العالم عبر وسائل التواصل حتى تتم تغطية المبلغ المطلوب في ساعات قليلة وأحيانا في دقائق معدودة.وليس هذا بمستغرب على أهل الكويت، فقد كان هذا دأبهم منذ أيام الآباء والأجداد الذين جاهدوا بأموالهم للقضية الفلسطينية والثورة الجزائرية في منتصف القرن الماضي، وذلك عندما كان الوضع المالي أضعف بكثير من وضعنا اليوم.
وها هي مساهمات أهل الكويت تكثر وتتوسع بعد أن منّ الله على البلاد بالثروة النفطية، فنمت الطبقة الوسطى وتوسعت، وتبين أثر هذه النعمة اليوم في مظاهر ملموسة كثيرة منها التحسن الملحوظ في مستوى المعيشة والزيادة المطردة في العمل الخيري ومشاركة مسلمي العالم المحتاجين والمظلومين بالمشروعات التنموية والوقفيات والتبرعات المالية، ومنها أيضاً رغبة الكثير من الكويتيين في السياحة والسفر في الأعياد والإجازات فقد نشرت إدارة الطيران المدني يوم الخميس الماضي إحصائية تبين سفر أكثر من 200 ألف مسافر عبر المطار الدولي خلال إجازة العيد على متن 1400 رحلة جوية، هذا بالطبع غير المسافرين عبر الحدود البرية، وغير ذلك من مظاهر النعمة والرفاهية.ولا شك أن مظاهر النعمة هذه لا تنفي وجود من هو محتاج في الكويت بسبب أوضاع مالية معينة أو ظروف أسرية قاهرة، وهي ظاهرة موجودة بنسب معينة في كل بلاد العالم الغنية، ولكن في الكويت يتضامن المجتمع وخصوصا الميسورين منه في سد حاجتهم وإقالة عثراتهم بشكل يدعو للفخر، وفي هذا تنص المادة 11 من الدستور على: «تكفل الدولة المعونة للمواطنين في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل كما توفر لهم خدمات التأمين الاجتماعي والمعونة الاجتماعية»، فقوانين العجز والشيخوخة والتأمينات الاجتماعية في الكويت من أفضل القوانين في العالم، وتنص المادة 25 على: «تكفل الدولة تضامن المجتمع في تحمل الأعباء الناجمة عن الكوارث والمحن العامة»، فمن الملاحظ أنه بالإضافة إلى دور المؤسسات الحكومية بتنفيذ هذه النصوص نقرأ ونسمع في أحيان كثيرة وفي رمضان خاصة عن تضامن المجتمع في مبادرات أهلية وأعمال يقوم بها أهل الخير والجمعيات الخيرية لكفالة الأسر المحتاجة ودفع ديون الغارمين وإخراج المسجونين من الزكوات والصدقات والتبرعات.نعم هذا هو الوجه الحقيقي والجميل لبلادنا، لذلك لا تجوز الإساءة إلى مجتمعنا بتعميم بعض صور حالات العوز المالي أو السقطات الاجتماعية والمبالغة في تصويرها وكأنها تمثل المجتمع بأسره لأن الظواهر الإيجابية التي تدل على التدين والخير الوفير وتضامن المجتمع مع بعضه هي الأكثر، وهي التي تشتهر بها بلادنا، ويُذكر بها شعبنا بفضل الله تعالى، وأفضل مثال على ذلك حدث قبل أيام قليلة عندما انتشرت في وسائل التواصل صور نساء الكويت وهن يملأن المساجد والمصليات بحجابهن الشرعي في صلاة التهجد في العشر الأواخر، فكانت أبلغ رد على المسلسلات الهابطة والمقالات الفاسدة التي صورت نساء الكويت بصورة سيئة كاذبة. الخلاصة أن أوضاعنا المالية والاجتماعية فيها الكثير من الإيجابيات التي نفتخر بها، وهي تمثل وجه الكويت الحقيقي الجميل، ولا ينفي ذلك وجود بعض حالات الحاجة والعوز المالي الذي يجب أن يتضامن المجتمع من أجل دراستها ومساعدتها، أما بعض السقطات والحالات الاجتماعية غير المرضية التي لا يكاد يخلو منها أي مجتمع فلا يجوز إنكارها ولكن يجب إصلاحها وتقويمها... قال تعالى: «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ».
مقالات
رياح وأوتاد: نُحدث بنعمة الله المشاهدة في رمضان
02-05-2022