نفتقد ثقافة الكتب التحليلية

نشر في 02-05-2022
آخر تحديث 02-05-2022 | 00:09
 حمزة عليان باستثناء قلة من كبار المسؤولين وأصحاب المناصب العليا في العالم العربي، ما زلنا نفتقد «ثقافة الكتب التحليلية»، مقارنة بالكتب الصادرة باللغة الأجنبية، ولذلك ترى البعض يفاخر عندما يستشهد بكتاب لشخصية أميركية أو بريطانية في حديثه أو بحثه، ويعتبر ذلك مصدر قوة وحجة غير قابلة للتشكيك.

اعتقادي أن ذلك سببه غياب «رواية عربية للأحداث» في مواجهة الروايات الأخرى، والتي كثيراً ما تتضمن حقائق غير مكتملة أو وجهة نظر مغايرة تماماً.

لماذا هذه المقدمة؟ الحقيقة أنني طالعت مؤخراً كتابين: الأول للمهندس والناشط السياسي الكويتي فاضل الطالب بعنوان «مؤتمر العقير 1922»، وفيه شرح لوقائع المؤتمر من وجهات نظر مختلفة وتحليل للأهداف والغايات المترتبة على نتائجه المجحفة بحق الكويت، أما الكتاب الثاني فهو للدبلوماسي نبيل فهمي نجل وزير الخارجية إسماعيل فهمي بعنوان في «قلب الأحداث» يتناول فيه الدبلوماسية المصرية في سنوات التغيير.

الدافع وراء إصدار الكتاب، كما يقول المؤلف، شعوره بأن من واجبه عرض «رواية الأحداث» باعتباره شاهداً عليها، والعامل الحاسم لقراره بالكتابة بأن جيله ومن سبقوه يسلّمون دولهم لقادة المستقبل في أوطانهم بحالة أسوأ مما كانت عليه عندما تولى الجيلان السابقان المسؤولية، ولذلك فالحد الأدنى من الواجب الوطني أن يتاح لقادة المستقبل تجارب من سبقوه.

الكتاب يستعرض نصف قرن من الأحداث الدولية والوطنية تابعها المؤلف عن قرب بصفته كدبلوماسي ومن أسرة امتهنت العمل السياسي، ويكشف «أسرار» ما قبل ثورة 25 يناير 2011 وصولاً إلى 30 يونيو 2013 وانضمامه إلى عضوية الحكومة المصرية كوزير للخارجية، وهدفي ليس عرض الكتاب بقدر ما وجدت فيه قدرة على الإحاطة والمعرفة وتقديم تحليل واقعي بقراءات متأنية للفترات التي عاصرها.

أهمية الدبلوماسي نبيل فهمي، انخراطه في العمل الأكاديمي في الجامعة الأميركية في القاهرة والمجتمع المدني وحرصه على تقديم تجربته المهنية بعد فترة عمله كسفير لبلاده في واشنطن عام 2008 وبكونه نجل سياسي مخضرم هو إسماعيل فهمي وزير الخارجية في عهد أنور السادات وشارك في الدائرة الضيقة لصناعة القرار السياسي، وبالرغم من تحفظه في بعض الأحيان فإنه ختم الكتاب برؤى مستقبلية وفي مرحلة من عدم الاستقرار، تجعل من وضع سيناريوهات دقيقة أمراً شديد الصعوبة.

يعتبر أن الغزو العراقي للكويت عام 1990 كان تعبيراً عن لحظة تغيير جذرية بعد نكسة حرب حزيران (يونيو) عام 1967 ومحطة مفصلية في «نهاية الأمن الجماعي العربي»، وفي هذا يروي ما حدث، حيث كان يعمل حينذاك عضواً في البعثة الدائمة والتي يرأسها عمرو موسى وكان شاهداً على الكثير من الوقائع المتصلة بالموضوع. يكشف وللمرة الأولى رأي البعثة المصرية لدى الأمم المتحدة بالقول «إن غزو صدام أمر وارد»، وقد يحدث قريباً في ضوء حصوله على معلومات يابانية تبين أنها موثقة، اتضح فيما بعد أن تقديراته كانت صحيحة، واعتبر أن عجز العالم العربي منع العدوان على الكويت يعد فشلاً ذريعاً لمنظومة الدفاع العربي المشترك بعد أن فشلت في استعادة الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967.

يرى السفير نبيل فهمي أن أميركا هي التي شجعت صدام على غزو الكويت، حتى تتمكن من تفكيك القدرات العسكرية للعراق والقضاء على برنامجه النووي الناشيء، وهذا الرأي يتوافق مع آراء خبراء في شؤون الشرق الأوسط.

من منظوره السياسي يعتقد أن الشرق الأوسط سيزداد تعقيداً في المستقبل قبل أن يصل إلى مرحلة التوازن الطبيعي وستحتاج المنطقة إلى تقليص اعتمادها على مصدر أجنبي واحد للدعم من خلال تطوير وتوسيع نطاق علاقاتها الدولية.

وبعيداً عن الأقوال المتناقلة بوجود عشرة كتب إذا قرأتها تضعك على أعتاب السلطة، وبعيداً عن الكتب العشرة «المصادرة والممنوعة من التداول» التي هزت العالم العربي خلال القرن العشرين، فإن حالة الكتاب عموماً في منطقتنا لا تسر ولا تبشر بالخير، «فالوحش الإلكتروني» الذي غزانا دون استئذان في هذا القرن خطف الناس وعقولهم من التوجه نحو القراءة المفيدة والعميقة، وأخذهم إلى ملعبه، يلعب معهم كما يشاء وبالأدوات التي تناسبهم.

حمزة عليان

back to top