الغزالة بايقة
أثار الفنان محمد عبده أخيراً ضجة كبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي بتصريحه بأن طلال مدّاح وأبوبكر سالم لم يتركا أثراً باقياً لاقتصار إرثيهما على أغنيات الغزل، في حين أن الأغنيات الوطنية هي الخالدة، بحسب رأيه، ساخراً من أغنية "يا بلادي واصلي" لأبوبكر إذ يرى أنها توحي بشخص يقوم بدفع سيارته المتعطلة، كما انتقد أغنية "وطني الحبيب" لطلال، ورأى أنها مسروقة من أغنية أخرى لطلال أيضاً، وهي "غنوّا معايا للسمر" وهي تهمة رد عليها المؤرخ الفني السعودي يحيى زريقان بأن الأولى تم طرحها عام 1961 في حين تم طرح الثانية منتصف الستينيات، وقال عبده في المقابلة ذاتها إنه يطرح رأيه كناقد وهو ما يعطيه الحق بذلك.لا شك أن قاعدة عبده للمفاضلة بين الفنانين هي قاعدة غير صحيحة، وبالإمكان تفنيدها بسهولة مع كل الاحترام والتقدير لشخصه ولتاريخه الفني، إلا أنه، وبعيداً عن الضجة التي أثارها بآرائه، أثار نقطتين مهمتين جداً، يجب الوقوف عندهما، أولاهما أهمية النقد المتجرد، وهو أشبه بعملية تقليم الأشجار لتنمو وتثمر في الفن وغيره، والثانية قضية سرقة الأفكار وهي قضية لا تقل خطورة عن سرقة الأموال، ومن حسن الحظ أننا نعيش في زمن توفر المعلومات وأدوات التحقق منها، وهي أدوات بحاجة إلى النقد الموضوعي لتمييز تشابه الأعمال الفنية إن كانت بمحض الصدفة أو التأثر أو الاقتباس أو الاستيحاء، أو الاستيلاء مع سبق الإصرار والترصد و(التربح) حتى وإن استوفت السرقة المتطلبات القانونية لشرعنتها.
عودة إلى العنوان، فالغزالة المعنية ليست تلك التي مدحها طلال في الكثير من أغنياته ومنها (يا غزال، وغزالةٌ، حرك شجوني غزال،...) بل هي "الغزالة رايقة" التي انتشرت أخيراً بشكل مذهل في الوطن العربي وبمشاهدات "يوتيوبية" تجاوزت الـ 23 مليون مشاهدة، تم طرحها على أنها لملحن اسمه إيهاب عبدالواحد، ولكن لا يحتاج الأمر لكثير من البحث لنكتشف أن اللحن الأصلي روسي وتم طرحه عام 2019 وراج بشكل كبير بمشاهدات تجاوزت الـ200 مليون، وعند مواجهة وسائل الإعلام لإيهاب بذلك الدليل أنكر التهمة واعتبر أن التشابه بسيط وبمحض الصدفة! وعند سؤال شاعرة النسخة العربية من الأغنية عن رأيها قالت إنها شاهدة على ولادة اللحن في الاستديو من بنات أفكار إيهاب بدون أي تأثيرات خارجية. نختتم هذه الحدوتة القصيرة بالإشارة إلى أن عنوان الأغنية الأصلية الروسية هي "اللبوة البرية" لتتحول "اللبوة" إلى غزالة وكلتاهما من الثدييات في صدفة أخرى، فالخواطر تتوارد، والاحتيال غير وارد!