حبذا لو يبرع جهاز الأمن الفدرالي الروسي في أداء مهامه اليوم، لكن يبدو أننا لم نعد نستطيع الاتكال عليه، فخلال الثمانينيات، كانت الاستخبارات السوفياتية تنقل معلومات دقيقة حول السياسة البريطانية إلى موسكو، وإذا كان جهاز الأمن الفدرالي متمسكاً بهذا النهج اليوم، فلا شك أنه يُطمْئِن بوتين على اعتبار أن الخطابات القوية ضد روسيا من الوزراء ومسؤولين آخرين ترتبط فعلياً بمنافسة مرتقبة على قيادة حزب المحافظين.

تكلم وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، ووزيرة الخارجية، ليز تروس، حول إخراج روسيا من شبه جزيرة القرم ومن بقية المناطق الأوكرانية، وهو هدف مستحيل من دون خوض حرب شاملة مع روسيا، حتى أن وزراء الدفاع البريطانيين تكلموا عن شرعية إطلاق صواريخ بريطانية الصنع نحو روسيا مباشرةً، لكن يعترف الجنرال ريتشارد شريف، النائب السابق للقائد الأعلى لقوات الحلفاء في أوروبا، بصعوبة عقد السلام مع روسيا طالما يبقى بوتين في الكرملين. قد يكون شريف محقاً في موقفه، لكن تحمل التصريحات البريطانية أهمية خاصة لأن البريطانيين لم يتناقشوا محلياً حول أهداف بلدهم خلال هذه الحرب، ويؤكد مكتب الشؤون الخارجية أن تلك الأهداف لا تشمل تغيير النظام في روسيا، لكن تُعتبر بريطانيا أصلاً من ألد أعداء الكرملين، وتظهر شخصيات غريبة على التلفزيون الروسي لإلقاء خطابات مسهبة والتهديد بضرب بريطانيا بالأسلحة النووية، يجب أن يحافظ البريطانيون على هدوئهم في جميع الظروف ويتذكروا أن انتصار بوتين في أوكرانيا يطرح خطورة فائقة على العالم أجمع، لكن إلى أي حد ستكون بريطانيا مستعدة للتمادي في تحركاتها لمنع هذه النتيجة؟ يُفترض أن تطلق بريطانيا هذا النوع من النقاشات المحلية في أقرب فرصة.

Ad

لكن لا بد من التطرق إلى منصب رئيس الوزراء البريطاني قبل أي مسألة أخرى، فهذه التحليلات كلها تسبق نتائج الانتخابات المحلية في 5 مايو يتوقع معظم السياسيين ليلة قاتمة لحزب المحافظين يليها هوس متجدد بقيادة بوريس جونسون.

بعد سلسلة من التقلبات المتلاحقة، يدعونا الوضع القائم إلى توخي الحذر، فقد بدأ جيريمي هانت، وزير خارجية سابق وأحد المرشّحين لرئاسة الحكومة البريطانية، يطلق مناوراته بكل وضوح، ويتواصل معسكره مع نواب آخرين، وهو يحظى بدعم كبير من اليمينيين داخل الحزب، فهذا النهج ليس معيباً أو غير منطقي، إذ تقتصر الفترة الفاصلة بين إعلان استقالة رئيس الوزراء وأول تصويت يقوم به نواب حزب المحافظين على أسبوع واحد. بعبارة أخرى، يجازف كل من يمتنع عن هذا النوع من المبادرات بالخسارة أمام منافسين أكثر قوة.

تكشف استطلاعات الرأي تراجعاً كبيراً في دعم الريفيين لحزب المحافظين، إذ يشعر المزارعون باستياء شديد من الاتفاقيات التجارية التي تلت حقبة «بريكست» ومن تجاهل الوزراء لوضعهم، فهل نشهد اليوم إذاً وضعاً سياسياً جديداً يرتكز على منافسة تقليدية لتحسين حياة المنتجين والمستهلكين بعد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي؟

سنكون أمام سلسلة من المنافسات المحتدمة إذاً، ومن الواضح أن تأثير الإعلام التقليدي لا يزال أقوى بكثير من مواقع التواصل الاجتماعي، وتكمن أفضل آمال المحافظين على الأرجح في إقناع بوريس جونسون بالتنحي من منصبه، فقد بدأت تجربة جونسون (التعمق في شؤون الطبقة العاملة، ومعاداة بروكسل بأشرس الطرق، والإنفاق المفرط، والتردد في المواقف) تُهدد بتفكيك ائتلاف المحافظين التقليدي، لكنّ جونسون ليس من النوع الذي يتنحى وينسحب بكل بساطة.

لو كنتُ مكان الاستخبارات الروسية التي تنقل المعلومات إلى الكرملين، كنتُ سأوصي المسؤولين الروس بالتنبه إلى خطابات جونسون حول أوكرانيا لأن مواقفه تعكس الواقع المرتقب على مر السنة المقبلة، لكن لا أحد يستطيع التأكيد على بقائه في السلطة حتى نهاية هذه الحرب.

* أندرو مار

New Statesman