تقل زيارات أداء الواجب الاجتماعي في الأعياد كل سنة عن السنة التي سبقتها، في عيد الفطر قبل عدة سنوات كنت تقوم بعدة زيارات، للوالدين، والأخوال، والخالات، والأعمام... وعيد بعد عيد، ومناسبة بعد مناسبة، يتفاعل قانون "تناقص الغلة"، ويرحل عدد من هؤلاء الأقارب والمعارف إلى عالم الفناء، فلا حاجة عندها إلى المزيد من الزيارات الاجتماعية، وتتأمل نفسك وقد مضى بك العمر طويلاً، فلا تجد غير الماضي وأيام الشباب لتنقش ابتسامة أسى على وجهك متحسّراً على زمان مضى دون عودة، وإذا كنت من جيل الشباب فتحلم بالغد وبآمال عريضة.

الروائي فيليب روث كتب في قصة "كل رجل" أنه إذا كنت طاعناً في السن فما هو بجوفك هو المهم، كحالة قلبك وأمعائك والأمراض التي حتماً سترافقك مع تقدّم العمر، وإذا كنت من الشباب فالخارج، أي شكلك ومظهرك، هو الأهم، ويمضي روث ليصف على لسان بطل القصة كيف شاهد والده يتلاشى عن العالم بوصة بعد بوصة، أمراض الكهولة تميت الإنسان مرتين، مرة حين تصيب البشر، ثم مرة أخرى حين يرحل، فلا يبقى لك غير ذكريات الأيام الأخيرة عن الراحل في المستشفى، تتذكر الإبر المغروسة في الذراعين والقدمين تنفخ بجسده المضادات الحيوية، وأنابيب تغذية ممتدة تخرج من الأنف أو الفم لتلتحم مع زجاجات معلّقة... وبالقرب منه جهاز للتنفس الصناعي... حياة كرب لا معنى لها.

Ad

ماذا يمكنك أن تصنع مع الزمن، لك أن تمارس اليوجا والتأمل الذاتي بأن تعيش لحظة الحاضر بوعي كامل وتربّص بما يحيط بك، وأن تقنع ذاتك بأن هذا الحاضر لا ينتهي، فهو ممتد عبر الزمان والمكان، تقرأ لدالي لاما وغيره لتنسى ملل اللحظة وقلق الغد، إلا أنه في النهاية "لن تكون" وأنت غير "موجود هناك" ككائن واعٍ، وهذا ليس احتمالاً مستقبلياً، وإنما هو آخر الاحتمالات ويصبح يقيناً قطعياً كما يصوره الفيلسوف هايدغر.

لعل الروائي روث لخّص كل الحكاية بنصيحة من شخصيات القصة "لا يمكنك أن تعيد صناعة الحقيقة، امسك أرضك وتقبّل الواقع كما هو"... يعني سلّم أمرك لله... وكل عام وأنتم بخير.

حسن العيسى