ماذا بين الشويخ ومصنع أزوفستال للحديد في أوكرانيا؟
ما علاقة نقص الحديد في الكويت وارتفاع أسعاره بالحرب الروسية الدائرة في أوكرانيا منذ أشهر؟ وما علاقة مصنع «أزوفستال للحديد والصلب» الذي تعرض للتدمير والحصار بحركة التصدير والعرض والطلب على الحديد في العالم؟إنها «العولمة» بأبهى صورها وتجلياتها، لا سيما إذا كانت الدولة المعنية تملك قدرات صناعية وزراعية وتكنولوجية متقدمة، لكن مهلاً لأن العولمة أصابتها قذائف الحروب ومآسي جائحة كورونا، وكما الحال في حالة الأسواق العالمية الخاصة بالمواد الغذائية خاصة الحبوب، كذلك الأمر بالمعادن ومنها الحديد، لكن هل زيادة أسعار الحديد مرتبطة بهذا المصنع، أم بالحرب، أم بكليهما معاً؟أكثر سلعة حلّقت بالأسعار كانت مادة النفط والغاز وهذا ما ترك أثراً إيجابياً على الدول المصدرة للبترول ومنها الكويت، إنما ما حصل مع الحديد أمر مختلف؟ ووفق قراءة أحد المختصين بتجارة الحديد فالمسألة مرتبطة بعامل لوجستي له علاقة بالشحن بالدرجة الأولى، فالكويت لا تستورد الحديد من أوكرانيا ولا من روسيا بحسب هذا الخبير المختص، لكن هاتين الدولتين تشكلان مصدراً رئيسا لأوروبا وفي الوقت الذي أغلقت فيه المصانع أبوابها وأوقفت عمليات التصدير بسبب الحرب، تحولت الدول المستوردة للحديد إلى الصين والهند واليابان وتركيا، وعملياً زاد الطلب وتناقص العرض، وإن كانت الكويت تستورد الحديد من الهند والصين والإمارات وتركيا أيضاً.
هناك نوعان من الحديد، حديد التسليح المستخدم في البناء والحديد الصناعي واستخداماته متعددة، وكلا النوعين ارتفعت أسعارهما بحدود 25% للطن الواحد، والعامل الرئيس الذي يقف وراء ارتفاع الأسعار هو ما يحدث في شبكة التوريد العالمية، وهي شبكة مترابط بعضها مع بعضها الآخر، وأي خلل تتعرض له ينعكس مباشرة على الأسعار.ما حصل أن صعود الأسعار كان له تأثير مباشر على دورة الاقتصاد وتوقف المشاريع، بعدما زادت التكلفة مما حدا بأصحاب المصالح إلى «دعس البريك» ريثما تنجلى الأمور ويعرف متى ستعود الحياة إلى عهدها الطبيعي، وهو أمر مجهول وغير معلوم، فالحرب كان متوقعاً لها أن تنتهي خلال أسبوع بحسب المعلومات والتقارير التي قدمت إلى الرئيس بوتين لكن يبدو أنه غرز في المستنقع الذي أرادوه له، وها هم يطيلون أمد الحرب والمعارك بضخ كميات من الأسلحة الثقيلة، بحيث يبقى الرئيس الأوكراني قادراً على الصمود والدفاع في الوقت الذي تحولت فيه المدن الأوكرانية إلى أطلال وخراب! تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا طالت العالم، ولم تقتصر على معدن الحديد، ولا على حبوب القمح، بل شملت حزمة من المواد المصنعة، والمعادن وأسعار العملات وغيرها.الحقيقة أن ما استوقفني في موضوع الحديد هو العلاقة التي ربطت هذه الحرب بمصنع «أزوفستال للحديد والصلب» والذي تعرض إلى التدمير مرتين، الأولى على يد القوات النازية عام 1943 إبان الحرب العالمية الثانية، وأعاد بناءه الاتحاد السوفياتي، أما الثانية فكانت على يد الجيش الروسي، وريث الاتحاد السوفياتي والساعي لإعادة مجده وتوسعه علماً أن المصنع أنشئ كواحد من أكبر مصانع المعادن والصلب على مستوى العالم كان ينتج سنوياً وقبل الحرب مباشرة وفي زمن الاستقرار نحو 4 ملايين طن من الفولاذ، و3 ملايين طن من بقية المعادن وغيرها من أنواع الحديد الصناعي.التبعات السلبية للحرب بدأت تنخر في أساسيات «العولمة» فجعلت بعض الدول والتكتلات الاقتصادية تتشدد بالسياسات الحمائية وتشكك في المؤسسات المالية الدولية وحياديتها، والأهم من كل ذلك أن العالم يتجه في ظل الحرب الأوكرانية نحو حقبة «بلا عولمة» وإن كان بشكل بطيء نسبياً.مجلة «فورين أفيرز» الأميركية نشرت تحليلاً للخبير الاقتصادي «آدم يوسن» أظهر فيه أن الغزو الروسي والعقوبات الناتجه عنه سيجعلان تآكل العولمة أسوأ حالاً من قبل، وسينتج عن ذلك خلق تحالف منعزل للديموقراطيات، قد ينجح في بعض الجوانب الاقتصادية لكنه سيفشل أمام التحديات الكونية.