رياح وأوتاد: الأسوأ من التأخر في اتخاذ القرار
يكتب بعض الأصدقاء هذه الأيام منتقدين التأخير الحاصل في اتخاذ قرار في الأزمة الدستورية الحالية، ولا شك أن تأخير اتخاذ القرار في الأمور المعروضة أو الطارئة هو شيء سيئ وغير مجد، ولكن الأسوأ منه هو اتخاذ قرار خاطئ غير مدروس ولا ينمّ عن حنكة سياسية أو فهم دستوري سليم، وإنما مبني على مطالبات إعلامية ونيابية أو شخصانية غير مدروسة من قبل المتخصصين، لأن قرارات على هذه الشاكلة، وإن نجحت في إسعاد بعض الناس بعض الوقت، إلا أن عيوبها وعوارها سينكشف بعد فترة، ويكتشف الجميع أنها لم تحل المشكلات السياسية أو الاقتصادية أو المالية، بل خلقت مشكلات جديدة. من الأمثلة على هذه القرارات ما صدر من قوانين ومراسيم الكوادر المالية التي لم تنصف عموم موظفي الدولة رغم كلفتها الكبيرة، ومن كان في المجلس أو من المتابعين يذكر، ولا شك، ذلك الزخم الكبير، وتلك المطالبات التي رافقت إقرارها، ولكن اليوم يكتشف الجميع أنها خلقت عدم عدالة بين الكويتيين وبدأت المطالبة بتغييرها وإنصاف الآخرين الذين لم يستفيدوا منها. وعلى المستوى السياسي كان من أخطر القرارات التي اتخذتها الحكومة القبول باستجوابات غير دستورية، وإهمال فتاوى الدستوريين، وعدم الذهاب إلى المحكمة الدستورية بشأنها، فكانت النتيجة هي أزمات واستقالات كان آخرها الأزمة السياسية الدستورية التي تعانيها البلاد اليوم.
من المعيب أن توافق الحكومة والمجلس على الخطة الخمسية وتصدر بقانون ثم تقر الحكومة ويقر المجلس قرارات وقوانين تخالف أحكام هذه الخطة، وبدل أن تخلق وظائف للكويتيين في القطاع الخاص كما تنص الخطة يزداد الاعتماد على الحكومة في التوظيف، حتى أعلن ديوان الخدمة في الأسبوع الماضي أنه تم وضع 21 ألف وظيفة حكومية في الميزانية القادمة، بالإضافة إلى الوظائف التي شغرت بالوفاة والاستقالة، وهكذا بمزيد من القرارات غير المدروسة تنطلق الهجرة العكسية للموظفين من الخاص إلى العام، وآخر تلك القرارات الكارثية هو قرار استبدال البدل النقدي بالإجازات، وبدل أن تزداد الإيرادات غير النفطية في الميزانية يزداد الإنفاق الجاري فيلتهم كل الإيرادات النفطية وغير النفطية، فتتوقف التنمية وتتأخر المشروعات والمؤسسات الاقتصادية والصناعات الجديدة في حين تظل مساهمة القطاع الخاص في إيرادات الميزانية لا تكاد تذكر. لذلك فإن اتخاذ القرارات المخدرة الموضعية لن يجدي نفعاً ولا تنصلح الأمور فسرعان ما تنكشف العيوب ويعود التذمر من جديد، لذلك أرى أن على الحكومة والمجلس العودة في كل قرار أو عمل سياسي أو دستوري أو اقتصادي إلى المتخصصين لدراسة أبعاد هذه القرارات على البلاد في المديين المتوسط والطويل، وعندنا بحمد الله عدد من الأساتذة الدستوريين الثقات الذين بإمكانهم بيان الطريق الدستوري السليم للتعامل مع الأحداث في المجلس، كما أنصح الحكومة باللجوء إلى الاقتصاديين الكويتيين المعروفين الذين ثبتت صحة آرائهم الاقتصادية التي نصحوا بها الحكم في البلاد، ولكن لم يؤخذ بها للأسف مثل الدكتور الشيخ محمد صباح السالم، فمن منا لا يذكر محاضرته ومقالته عن جزيرة ناورو، والشيخ سالم عبدالعزيز الصباح الذي بين في استقالته المشهورة المرض والعلاج للمالية والاقتصاد الكويتي، وكذلك كبار الاقتصاديين الإخوة محمد القاضي ود. نبيل المناعي وجاسم السعدون وعبدالمجيد الشطي ووثيقة (قبل أن يفوت الأوان) التي وقع عليها 29 دكتوراً متخصصاً في المالية والاقتصاد في جامعة الكويت، حيث اتفقت آراؤهم على التحذير من كثير من الأخطاء المالية والاقتصادية التي وقعت فيها الحكومة، ووقع فيها المجلس، ولكن لم يؤخذ بنصائحهم، فكانت النتائج وقوع مزيد من المشكلات التي تحتاج إلى حلول. وكنت قد نقلت وشرحت في مقالاتي ومقابلاتي السابقة كثيراً من هذه الفتاوى والآراء الدستورية والاقتصادية، نقلاً عن المتخصصين الكبار، ولكن كان هناك للأسف من يفضل الآراء الشعبوية غير المفيدة ويهاجم الآراء والفتاوى المتخصصة الإصلاحية. لذلك لا أملك في هذه المقالة إلا مناشدة الحكم إلى الاسترشاد بأحكام الشريعة الإسلامية وأحكام الدستور الذي حمّل المشرع أمانة الأخذ بها مع العودة إلى المتخصصين في المجالات الدستورية والاقتصادية والمالية قبل اتخاذ القرارات وإقرار القوانين، ويكفي ما عانته البلاد من إخفاقات، والله الموفق.