تشير نسبة الاقتراع المرتفعة في صفوف المغتربين اللبنانيين إلى حماسة للمشاركة في اختيار المجلس النيابي الجديد. ارتفاع لا بدّ له أن ينعكس على الداخل اللبناني يوم الأحد المقبل، وسط تصاعد مؤشرات المعركة الانتخابية وحماوتها، خاصة أن العناوين السياسية هي التي تتقدم على ما عداها.وفيما يعاني لبنان أسوأ انهيار مالي واقتصادي، ويعيش اللبنانيون أزمات متوالية، إلا أن أسبابها تعاد إلى العطب في التوجهات السياسية، وسوء العلاقات اللبنانية العربية عموماً والخليجية خصوصاً.
ولذلك، فإن الشعارات التي ترفع للاستحقاق الانتخابي هي بين من يريد إعادة لبنان إلى ثوابت علاقاته الدولية والعربية واستعادة الشرعية الأممية، وبين من يريد إبقاءه في خانة المحور الإيراني وصراع المحاور الذي أنتج كل هذه الأزمات، وفي حال حقق حلفاء طهران، حزب الله والمحسوبون عليه، الفوز بالأكثرية، فإن هذه الأزمات ستتوالى.
48 دولة
وتوجه الناخبون اللبنانيون، أمس، في أكثر من 48 دولة للإدلاء بأصواتهم. وفي الإمارات تشكلت صفوف طويلة بانتظار المشاركة، في حين كان النَفَس التغييري طاغيا لدى الناخبين في فرنسا، التي شهدت كذلك حيوية في المشاركة. وقال وزير الخارجية اللبناني، عبدالله بوحبيب، إن نسبة الإقبال في دبي بلغت 15 بالمئة خلال ساعتين فقط، ويمتد الطابور أمام القنصلية اللبنانية مسافة كيلومتر تقريبا، على الرغم من الطقس الشديد الحرارة.وأضاف بوحبيب أن نسبة المشاركة في 10 دول أغلبها عربية يوم الجمعة قد بلغت نحو 60 بالمئة، وهو ما يتفق مع نسبة إقبال المقيمين في الخارج بانتخابات 2018. لكن الدعم للأحزاب القائمة ما زال واضحا، إذ ردد أكثر من 20 شخصا هتافات مؤيدة لرئيس البرلمان نبيه بري، بالقرب من مركز الاقتراع في برلين.وكان أنطون وهب (62 عاما)، وهو عامل بناء يصوّت من سيدني لثاني مرة فقط منذ رحيله عن لبنان في السبعينيات، ضمن مَن أبدوا حماسهم للتغيير.وقال «إنها المرة الأولى التي نشهد فيها قدوم مثل هذا العدد الكبير للتصويت، لأننا نريد التغيير بأشخاص جدد وأصغر سنّا. أشخاص جدد، ودماء جديدة».وأستراليا من بين الدول التي تضم أكبر عدد من اللبنانيين المغتربين، إلى جانب كندا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والإمارات.الى ذلك، كل المؤشرات التي تفيد بها استطلاعات الرأي، تشير إلى أن المعركة أصبحت متقاربة، وسط توقّعات بعدم قدرة أي طرف على تحصيل الأكثرية النيابية، مما يعني منع الحزب من تحقيق فوزه بهذه الأكثرية، وهذا في حدّ ذاته يعدّ تقدماً لخصوم الحزب. وبما أن الطرفين المتعارضين سياسياً بالمعنى الاستراتيجي سيحققان نتائج متقاربة، فيما تبقى كتلة وسطية هي المرجّحة للأكثرية، وهذا سيكون خاضعاً لمجموعة اعتبارات.ثمّة عناصر كثيرة تدخل بقوة على المعركة، من بينها مواقف البطريركية المارونية والكنيسة المسيحية ككل، ومن بينها أيضاً مواقف مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، والمشايخ في مختلف المناطق. هذه المواقف سيكون لها تأثيرها وفعاليتها في الأيام الفاصلة عن موعد الانتخاب.فمواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي في غاية الأهمية، وسيكون وقعها كبيراً على البيئة المسيحية، حيث تتركز المعركة الانتخابية بشكل مباشر بين التيار الوطني الحرّ كحليف استراتيجي لحزب الله، وخصومه وأولهم القوات اللبنانية، يليها حزب الكتائب والمستقلون. كل الأجواء المسيحية الكنسية والمعيشية تشير إلى تغيّر في المزاج المسيحي العام، خصوصاً أن البطريرك الماروني دعا في أكثر من مرّة إلى ضرورة الاقتراع لمصلحة التغييريين، ولاستعادة العلاقات اللبنانية - العربية، وانتخاب رئيس غير خاضع لأيّ فريق، إنما يعيد لبنان إلى سكة تصحيح العلاقات مع المجتمعين العربي والدولي.تسونامي «التيار» ينحسر
في هذا السياق، تكشف مصادر كنسية أن التوجه العام لدى المسيحيين سيكون تغييراً، وهذا سيؤثر إيجاباً على المسار الانتخابي العام، وسط أجواء تفيد بأن تراجعاً كبيراً أصيب به التيار الوطني الحرّ، وسط توقعات بأن «التسونامي» الذي حققه ميشال عون عام 2005 قد يتكرر هذه المرة، ولكن لمصلحة خصومه على الساحة المسيحية. وتتحضر الأوساط الكنسية إلى مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية والتحضير لزيارة البابا فرنسيس إلى لبنان، لأنّ الوضع يفترض تهيئة الأرضية الملائمة لمواكبة هذه الزيارة التي ستكون تأسيسية لمبادرة خاصة بلبنان الهدف منها إيجاد تسوية ومخرج من الأزمة القائمة، وهذا لا بدّ له أن يتحدد بموجب نتائج الانتخابات.في مقابل مواقف البطريركية المارونية، هناك مواقف أيضاً لدار الفتوى، ولا سيما بعد الموقف الذي أطلقه المفتي دريان في خطبة عيد الفطر، إذ دعا المسلمين إلى ضرورة المشاركة بكثافة في العملية الانتخابية، وهذا سيكون له تأثير أيضاً على المزاج السنّي في تجاوز مسألة المقاطعة والتوجه إلى صناديق الاقتراع، لتغيير موازين القوى، خصوصا أن التصويت السنّي هو الوحيد القادر على تغيير تلك الموازين في مختلف الدوائر، ولا سيما، في بيروت الثانية، والبقاع الشمالي والأوسط، وصيدا جزين والجنوب الثالثة. يذكر أن نسبة مشاركة الناخبين السنّة في الانتخابات الماضية وصلت الى 30 بالمئة. وتتجه الأنظار الى نسبة اقتراع السنّة مع عزوف زعيم تيار المستقبل سعد الحريري عن الترشّح والمشاركة.