في رحاب "الحكيم" صاحب السيرة العطرة والمسيرة المعطاءة، أكد عدد من السياسيين والإعلاميين أن الراحل الكبير د. أحمد الخطيب صاحب مدرسة فكرية وإنسانية وسياسية متميزة ومتفردة في العطاء للوطن، مضيفين أنه لم يكن شاهداً على تاريخ الكويت الحديث والمعاصر فقط، بل شارك بيده في صنع هذا التاريخ، وساهم مساهمات فاعلة منذ خمسينيات القرن الماضي، عندما كان طالباً بالجامعة الأميركية في بيروت وأسس وقتئذ حركة القوميين العرب.وأوضحوا أن الفقيد أعطى مثالاً حياً لإمكانية تمازج الأخلاق مع السياسة، مع عفة اللسان وأخلاق الفرسان، فكان قدوة ملهمة ومدرسة متكاملة في كيفية إدارة الخلافات السياسية دون إثارة النزعات والنعرات التي تضرب أساسات المجتمع أو تهز هيبة مؤسسات الدولة، لذلك استحق لقب الحكيم.
جاء ذلك خلال المعرض، الذي نظمته جمعية الخريجين بمقرها، تحت عنوان "الخطيب... مسيرة الحكيم"، مساء أمس الأول، بحضور رئيس وأعضاء الجمعية ونخبة من رجال ونساء ومثقفي الكويت. في البداية، أكد رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، أن الراحل د. أحمد الخطيب كان مثالا يحتذى به في الاتفاق والاختلاف وكيفية احترام وتطبيق الدستور بشكله الصحيح، مشيرا إلى أننا بأمس الحاجة للالتفات قليلا والاستفادة من التجارب البرلمانية للقدوات من رجال العمل السياسي وحكمتهم.وقال الغانم، خلال حضوره المعرض، إن "مشاركتي كرئيس لمجلس الأمة في معرض قامة كبيرة وعظيمة مثل المرحوم د. الخطيب هي واجب، فهو من الآباء المؤسسين وعضو المجلس التأسيسي وكذلك كان نائباً في عدة فصول تشريعية"، معقباً: "واجب علينا بعد أن تم تأبين الراحل في مجلس الأمة أن احضر اليوم مثل هذا المعرض الذي يحكي سيرته ومسيرته".وأضاف أن "رسالتي أوجهها لنفسي ولأعضاء مجلس الأمة بأن رجالاً كهؤلاء يجب الاستفادة من تجربتهم الثرية وهم قدوات، فليس بالضرورة أن نكون متفقين في كل الأمور وليس بالضرورة أن نكون متفقين في التوجهات السياسية، لكن من الضرورة أن نكون متفقين على احترام الرأي الآخر وكيفية التحاور والتفاهم لما فيه مصلحة البلاد والعباد".وأشار إلى أن الخطيب رحمه الله كان مثالاً على ذلك، فرغم ما كان يتمتع به من حجم ووزن منذ دخوله للمجلس إلى اعتزاله العمل البرلماني فإنه لم يقدم استجوابا واحدا، وهذا ليس خوفا ولا هروبا بل رسالة في كيفية احترام الأدوات الدستورية، مؤكدا أنه متفائل بشأن الوضع السياسي والمرحلة المقبلة.واختتم الغانم بدعائه الله تعالى أن يرحم الله الآباء المؤسسين جميعا، ويرحم د. الخطيب، معربا عن شكره أعضاء جمعية الخريجين على هذا المعرض.
يوم الوفاء
من جانبه، قال رئيس جمعية الخريجين، إبراهيم المليفي: "إذا كان هذا اليوم يستحق التسمية فسوف أطلق عليه يوم الوفاء لذكرى رجل يصعب نسيان أفعاله أو أقواله، رجل يعجز اللسان عن اختصار مسيرته النضالية من أجل بناء كويت أكثر حرية وأكثر ديموقراطية".وأضاف المليفي: "نجتمع اليوم لهدف واحد، وغاية محددة هي تكريم ذكرى د. الخطيب؛ تلك الشخصية الاستثنائية في تاريخ الكويت، فهو الإنسان الذي أحب الكويت من دون مقابل، والطبيب الذي انحاز للفقراء وطبّق معهم قسَم الأطباء قولاً وعملاً، حتى أصبحت عيادته الشهيرة قِبلة لكل عاجز وعلامة لدقة التشخيص ونجاعة العلاج".وتابع: "وأخيراً هو السياسي والبرلماني الذي أعطى للمعترك السياسي مثالاً حياً لإمكانية تمازُج الأخلاق مع السياسة، عفّة في اللسان وأخلاق الفرسان، فكان قدوة ملهمة ومدرسة متكاملة في كيفية إدارة الخلافات السياسية من دون إثارة النزعات والنعرات التي تضرب بأساسات المجتمع، أو تهز هيبة مؤسسات الدولة، لذلك استحق لقب "الحكيم".واستطرد: "إذا كنا نعتقد أن الأوضاع التي تعيشها الكويت في السنوات الأخيرة صعبة على صعيد الحياة السياسية والبرلمانية، فإنني أقول لكم ارجعوا للتاريخ ولسيرة الخطيب، لتعرفوا أنه وخيرة من الشباب الواعي والشخصيات العامة واجهوا في المراحل التاريخية التي سبقت وضع دستور 62 وكل المحاولات لوضع اللبنات الأولى لتأسيس دولة يحكمها الدستور، أوضاعاً أصعب وأكثر شراسة"، معقبا: "ولكنها كللت في النهاية بانتصار مرحلي مهم تجسّد في إقرار الدستور، لتبدأ مرحلة جديدة عنوانها الحفاظ على المكتسبات الديموقراطية وتكريس دولة القانون".اعتزال العمل البرلماني
ولفت إلى أنه منذ أن قرّر الحكيم اعتزال العمل البرلماني عام 1996، لم يتهرب من دوره كما فعل بعض السياسيين الذين آثروا الابتعاد والنأي عن إبداء آرائهم في الأحداث الكثيرة، فهو واليأس خصمان لا يجتمعان، لقد بدأ الحكيم مرحلة جديدة لا تقل أهمية عمّا سبقها تمثّلت في عدة مسارات من خلال الانفتاح والتواصل مع الشباب لإسداء المشورة ونقل الخبرات، إضافة إلى دعم المرشحين الإصلاحيين وجميع الأصوات التي تحارب الفساد.وبيّن المليفي أن الراحل كان له مسار ثالث، هو التواصل مع الرأي العام من خلال الكتابة على صفحات جريدة الطليعة، ومن عرف الحكيم عن قرب لاشك أنه يعلم مدى حبه وشغفه بالانفتاح على الأفكار والرؤى الجديدة، وكان آخرها مواكبته لمنجزات الثورة الرقمية التي أوجد لنفسه مكاناً فيها من خلال حسابه في "تويتر"، وكذلك المسار الرابع وهو الجهد المتواصل الهادئ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مكونات التيار الوطني الديموقراطي والقوى الحية، وقد حافظ على الإبقاء على أبوابه مشرعة للجميع حتى اللحظة الأخيرة.وأعرب عن تشرف جمعية الخريجين بتنظيم هذه الفعالية "التي نأمل أن تعطي فقيد الوطن حقّه من الذكر والعرفان، وأن يتعرف الجيل الجديد على سيرة رجل خدم الكويت والعروبة بكل تفانٍ وإخلاص"، موجها شكره وتقديره لزملائه أعضاء مجلس إدارة الجمعية ولأسرة الفقيد د. الخطيب "وللعم علي البداح على تعاونهم في إنجاح هذه الفعالية من خلال تزويدنا بالصور المعلّقة في هذا المعرض". وأضاف: "كما نتقدم بأحر التعازي القلبية لأسرة النائب الأسبق عبدالله النيباري رفيق الحكيم الذي رحل بعده بأيام قليلة".رمز وطني
من جانبه، قال الإعلامي يوسف الجاسم: "عايشنا هذا الرمز الوطني على مدى 7 عقود، والذي ترك فينا أثرا كبيرا بجميع مراحل حياتنا، ومن دون أدنى شك الشعوب بلا تاريخ هي شعوب بلا ذاكرة، وذاكرة التاريخ في الكويت لن تنسى الراحل وأدواره الوطنية؛ سواء تجاه الكويت كدولة أو شعب"، مضيفا: "نحن بحاجة إلى حكمته وإلى فكره المستنير ورؤيته الملهمة، وهو قامة وطنية بكل المقاييس، ونأمل أن تكون هناك أعمال أخرى لتخليد ذكراه وذكرى كل من رحلوا عن عالمنا، مثل د. عبدالله النيباري، ود. أحمد الرُّبعي، وغيرهما ممن تركوا بصمات رائدة وواضحة في التاريخ الكويتي".وتوجّه الجاسم بالشكر إلى القائمين على هذا المعرض، خاصا بالذكر جمعية الخريجين التي تحتضن كعادتها مثل هذه المناسبات.مدرسة فكرية
من جهته، قال الرئيس الأسبق لجمعية الخريجين سعود العنزي، إن الخطيب مدرسة فكرية وإنسانية وسياسية، "وهذا الإنسان لم يشارك في تاريخ الكويت الحديث والمعاصر فقط، بل صنع هذا التاريخ بيده، وساهم مساهمات فاعلة منذ خمسينيات القرن الماضي حتى وهو طالب بالجامعة الأميركية في بيروت عندما أسس حركة القوميين العرب"، مستطردا: "وعندما رجع إلى الكويت في منتصف الخمسينيات، كأول طبيب كويتي، أسس فرع الكويت والخليج لحركة القوميين العرب، وكانت من أكثر الحركات السياسية نشاطاً، وهنا نتكلم عن الشباب الكويتي الذين كانوا بثانوية الشويخ، لأننا في تلك الفترة لم تكن لدينا جامعة".وأضاف العنزي: "الراحل كان له دور فاعل في نادي الاستقلال ونادي الخريجين وجمعية الخريجين ومجموعة من مؤسسات المجتمع المدني التي أسسها، أو ساهم بشكل فاعل في تأسيسها، وكانت له لمساته الإنسانية العظيمة"، مردفا: "عاصرته لأكثر من 40 سنة، لم أسمع منه كلمة أساء فيها لأحد خصومه السياسيين. كان دائما مؤدبا وراقيا، وكان يبحث عن كل ما يجمعه مع الآخرين سياسيا، ولم يكن يبحث عن أي فرصة للاختلاف مع أحد، وفي كل موقف سياسي كان يجمع الأغلبية، ويجمع حتى الأضداد أحيانا".واستذكر مواقف الراحل، حيث قال إنه سأله في إحدى المرات عن المعارضة الدائمة للحكومة، فأجاب بأنه تعاون مع الشيخ عبدالله السالم في كثير من الأمور، لدرجة أنه حتى "لما طلب منا المشاركة في الحكومة أبدينا موافقتنا، لكن نبهناه إلى أن الأفضل عدم المشاركة، وفي تلك الفترة أصبح جاسم القطامي مشاركا في الحكومة من خلال منصب وكيل وزارة الخارجية"، لافتا إلى أنه ورفاقه كانوا دائما يبحثون عن كل أوجه الدعم التي تساهم في إصلاح البلد.وأشار إلى أن تأثير الرمز الراحل لم يتوقف عند الكويت، بل وصل إلى الوطن العربي كله، منوها إلى أن الفقيد كان يصور مقالات الصحف الأجنبية بشكل يومي ويوزعها على المهتمين، وكان يضيف لمن حوله على كل المستويات، وكان يهتم بأدق التفاصيل، وكان يقف عند القضايا المستحقة.دور رائد
بدوره، أشاد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت د. غانم النجار، بهذه المبادرة الموفقة من جمعية الخريجين، التي نظمتها للتذكير وتكريس الدور الرائد الذي لعبه الراحل د. أحمد الخطيب خلال 70 سنة، رفد خلالها الحياة السياسية بنماذج وبرامج الإصلاح السياسي، حيث كان له دور دائم وحضور مستمر، وبالتالي هو "لم يغب لكي نتذكره".ولفت النجار إلى أنه كان رجلاً برلمانياً سياسياً بالدرجة الأولى، و"نعرف إسهاماته من خلال عطائه داخل البرلمان والدفع ببرامج إصلاحية وبالكثير من العطاء المباشر والمستقل والنزيه، وهو من الرجال الذين لا يتراجعون عن قول الحق، ونموذج من النماذج الكويتية التي تمثل قدوة للشباب والمجتمع".وأضاف النجار أن "الجمعية رائدة في مثل هذه المبادرات، وتعطينا فكرة عن دور هذه القامات السياسية والاجتماعية الكبيرة، ولا ننسى كذلك زميله د. عبدالله النيباري، حيث إنهما رحلا تقريبا في نفس الوقت".الحياة الديموقراطية
من جهتها، قالت الناشطة والأكاديمية وعضو هيئة التدريس في جامعة الكويت د. شيخة الجاسم، إن الراحل الخطيب من أهم الرموز السياسية ومؤسسي الحياة الديموقراطية في الكويت ومن واضعي الدستور، ويستحق هذا التكريم وأكثر، منوهة إلى أن فكرة المعرض جميلة، حيث يعرض بدايات حياة الراحل منذ الصغر، ويتطرق إلى رحلة حياته كاملة في "الفريج" القديم، ورحلة دراسته في الكويت والخارج بل حتى تفاصيل زواجه ورحلاته. ودعت الجاسم الجميع إلى زيارة المعرض والاطلاع على محتواه الذي يتضمن كل شيء عن الراحل، وهناك أمور إيجابية وأخرى سلبية، ولاشك في أن إقامة مثل هذه المعارض لها دور كبير ومهم في تعزيز دور الشباب وشحذ همتهم.والدي الروحي
أما الكاتبة سعاد المعجل، والتي كانت من مرافقي الراحل وملازميه، فقالت إن "الفعالية متوقعة من جمعية الخريجين الرائدة دائما في ترسيخ أهمية الرموز الكبيرة في تاريخ الكويت، أما بالنسبة للدكتور الخطيب فإنه كان بمنزلة والدي الروحي قبل أن يكون نائبا أو سياسيا، فأنا كنت مرافقة له بشكل كبير".وتابعت المعجل: "قسمت حياتي إلى جزأين قبل معرفتي بالدكتور الخطيب، وبعد معرفتي به، فقد أثراني وجوده جداً، وأنضجني، وتعلمت منه الكثير، وسأتمكن من الاستمرار على نفس نهجه، حفاظا على العهد الذي قطعته له بأن العمل الوطني يحتاج إلى جهد وعزيمة واستمرار، وهو لا يقتصر على حدود بلد، بل يشمل العالم كله، ويمتد إلى خارج حدود الدولة القومية". وأضافت: "اليوم نكرم إرثا ومدرسة تعلمنا منها كل شيء، ومتفائلة بالواقع السياسي بالكويت، وهذا التفاؤل من أبرز الدروس التي تعلمناها من الراحل الذي كان لا يسمح لليأس بأن يزحف إلى قلوبنا، وفي أحلك الظروف التي مرت بها الكويت كان دائما متفائلا".الخيران: علاقته متينة بمختلف الأجيال
أكد رئيس اللجنة المركزية في المنبر الديمقراطي، بندر الخيران، أن هذه الفعالية تأتي تخليدا لذكرى د. الخطيب، وللتعبير عن شكرنا وامتناننا لهذه الشخصية التي كان لها دور وأثر على المجتمع المدني من تفعيل دوره بعمل الدستور الذي قدمه وإحياء دولة المؤسسات، مشيرا إلى أن هذا المعرض رغم كل المجهود الذي بذل فيه فإنه يسجل مراحل سريعة في تاريخ هذا الرجل.وأضاف الخيران أن حضور هذه الأجيال التي نراها في المعرض يدل على هذه العلاقة المتينة بين هذا الشخص وهذا التاريخ مع الأجيال.الفيلي: نموذج للكفاح والنجاح
أكد الخبير الدستوري، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة الكويت، د. محمد الفيلي، أن الراحل على المستوى الإنساني نموذج لإنسان مكافح استطاع أن يتغلب على صعاب جمة، وأن يواجه نظاما تعليميا، وينتقل من نظام تعليمي إلى آخر بشكل ناجح.وقال الفيلي إن الراحل كان يعيش هموم محيطه، ولم يكن منعزلا في الشرنقة الضيقة، بل اهتم بشكل أوسع بأطياف كثيرة، وقدم من نفسه للشأن العام، ولديه نفس مميز في الحريات واحترام الحرية الشخصية، والوقوف في صف الحرية، لافتا إلى أنه وضع لبنة من اللبنات الأساسية في النظام الدستوري الكويتي.العبدالجادر: إبرة الخطيب معروفة على مر السنين
قال النائب السابق، محمد العبد الجادر، إنها مبادرة جيدة من جمعية الخريجين لتكريم د. أحمد الخطيب، وهذه دعوة للشباب والشابات للاطلاع على مسيرة هذه القامات والهامات العالية التي عملت من أجل الكويت، مؤكدا أن مساهمات الخطيب كانت كبيرة، وشملت الكويت والوطن العربي أجمع، حيث ساهم بالوقوف إلى جانب القضايا العادلة وبالذات القضية الفلسطينية.وأضاف العبدالجادر أن الراحل أول طبيب كويتي، وعمل في القطاع الخاص، وظلت عيادته مفتوحة للجميع، وله تسعيرة مشهورة، وله إبرة عرفت على مر السنين بإبرة الخطيب، مشيرا إلى أنه أحب الناس فأحبوه، «ونحن جيل محظوظ بأن أتيحت لنا الفرصة بحضور ندواته وسماع آرائه، وهو رجل صاحب مبدأ هو وزميله المرحوم عبدالله النيباري، والمعرض هذا شيء قليل من تراث المرحوم».