يجب أن يفهم الجميع أن كوريا الشمالية تملك أسلحة نووية لا تقتصر أهدافها على الردع الدفاعي، بل تهدف أيضاً إلى الرد على أي تهديد يتعرض له البلد وقيادته.أدلى كيم جونغ أون بهذه التعليقات خلال استعراض عسكري في بيونغ يانغ، في 25 أبريل، في الذكرى التسعين لتأسيس الجيش الشعبي الكوري، ثم حذر كيم مجدداً، في 30 أبريل، من إقدام بيونغ يانغ على استخدام أسلحتها النووية بطريقة استباقية للتصدي للقوى العدائية.
إنها نقلة نوعية في مواقف كوريا الشمالية، فلطالما تمسّك البلد برسالة ثابتة على مر ثلاثين سنة من المفاوضات معه، فاعتبر أسلحته النووية مُعدّة للردع والدفاع عن النفس، على ألا تُستعمل مطلقاً ضد الولايات المتحدة أو أي بلد آخر، لكن توضح تصريحات كيم الأخيرة أن أسلحته النووية قد تُستعمل لأغراض هجومية أو بطريقة استباقية ضد أي تهديد وشيك.يريد كيم أن يوجّه الرسالة التالية إلى الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية: انتهى زمن التعليق الاختياري لاختبارات الأسلحة النووية والصواريخ البالستية العابرة للقارات، ويتجه البلد إلى تصنيع المزيد من الأسلحة النووية والصواريخ المُعدّة للوصول إلى الولايات المتحدة، فقد أطلق البلد 13 صاروخاً خلال هذه السنة، وتشمل هذه الأسلحة صاروخ «هواسونغ17» العملاق الذي يستطيع بلوغ الأراضي الأميركية كلها، فضلاً عن صواريخ بالستية تفوق سرعة الصوت وتستطيع هزم الدفاعات الصاروخية، ووقود صلب قصير المدى، وصواريخ «كروز» القادرة على تهديد كوريا الجنوبية واليابان، وصواريخ بالستية منطلقة من الغواصات، هذا هو الجزء المعلن من برنامج كوريا الشمالية النووي، لكن يستمر في الوقت نفسه إنتاج المواد الانشطارية للأسلحة النووية التي تستطيع تلك الصواريخ إيصالها.راقب كيم جونغ أون الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير، وهو يتابع مسار الحرب المستمرة هناك، وفي عام 1994، تخلّت أوكرانيا عن أكثر من 1900 رأس حربي نووي مقابل ضمانات أمنية من روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا، فحمل ذلك الاتفاق اسم «مذكرة بودابست للضمانات الأمنية»، لكنه لم يمنع روسيا من غزو شبه جزيرة القرم وضمّها في عام 2014 والسيطرة على جزء من إقليم «دونباس» الجنوبي الشرقي في أوكرانيا، كما أنه لم يمنع روسيا من غزو أوكرانيا وخوض الحرب ضدها في عام 2022، فأوكرانيا بلد سيّد ومستقل كان قد تخلّى طوعاً عن أسلحته النووية مقابل ضمانات أمنية مزعومة، ومع ذلك تجاهلت روسيا التزاماتها بشكلٍ فاضح. إذا عادت كوريا الشمالية إلى طاولة المفاوضات فمن الأصعب إقناعها بأن التخلي عن أسلحتها النووية سيزيد ازدهار البلد وأمانه، ويجب أن يكون المفاوضون مرنين ومبتكرين ويحاولوا إقناع كوريا الشمالية بأن السير نحو تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة يمنحها ضمانات أمنية وفرصاً لتحقيق النمو الاقتصادي، وهي مزايا لن يستفيد منها البلد إذا تمسّك بأسلحته النووية، لكن الطريق لا يزال طويلاً قبل بلوغ تلك المرحلة، إذ تثبت جميع المؤشرات اليوم أن كوريا الشمالية تخلّت عن المفاوضات وتُصِرّ على تصنيع المزيد من الأسلحة النووية والحفاظ على قربها من الصين وروسيا.وصل الممثل الصيني الخاص في شبه الجزيرة الكورية، السفير لو شاو مينغ، إلى سيئول يوم الأحد لإجراء لقاءات مع مسؤولين في حكومة مون جاي إن وإدارة يون سوك يول المرتقبة، وقال لو خلال مؤتمر صحافي مرتجل إن الولايات المتحدة وكوريا الشمالية مسؤولتان عن حل المسألة النووية في شبه الجزيرة الكورية، وستكون الصين وكوريا الجنوبية شريكتَين مهمتَين لإيجاد حل سياسي مناسب. على صعيد آخر، تكلم لو خلال نقاشات خاصة في سيئول عن الجهود الصينية الرامية إلى إقناع كوريا الشمالية بالعودة إلى التفاوض غير المشروط مع الولايات المتحدة والامتناع عن إجراء أي اختبارات صاروخية ونووية إضافية، ويرتفع احتمال أن تنجح مساعي الصين إذا تابعت محاولاتها لأنها تقدّم أكثر من 90% من منتجات النفط الخام والبترول إلى كوريا الشمالية، وتفوق تجارة بيونغ يانغ الخارجية معها عتبة التسعين في المئة.لن يكون تجاهل التطورات النووية في كوريا الشمالية خياراً ممكناً، إذ تبقى بيونغ يانغ في جميع الظروف من أهم الملفات التي يُفترض أن تعالجها الصين، والولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية، واليابان، والمجتمع الدولي عموماً، وحين يضع بلد مثل روسيا أسلحته النووية في حالة من التأهب القصوى، فإن من حق الجميع أن يشعر بالقلق، وعندما يتكلم كيم جونغ أون عن استخدام الأسلحة النووية بطريقة استباقية، يجب أن نقلق جميعاً من تصريحاته أيضاً.* جوزيف ديتراني
مقالات
كيم جونغ أون يعيد التأكيد على تهديداته النووية
10-05-2022