لا موانع تشريعية لعقد جلسات المحاكم عن بُعد
• المشرع لم يشترط عقد جلسات إدارة الخبراء في مقرها أو حضور المتقاضين شخصياً
• قانون المرافعات يسمح للجهات العامة بإنشاء أنظمة لإيداع المستندات إلكترونياً
تنظم مواد قانون المرافعات من 54 إلى 62 حضور أطراف الخصومة أمام المحاكم، وهو إما أن يكون مباشراً عبر الوجود الشخصي للمتقاضين، أو عبر وسائل تقنية تعمل على نقله مباشرة.
على خلفية المطالبات بالتحول الرقمي في قطاعات المحاكم وجهات التحقيق وإدارة الخبراء تثار العديد من التساؤلات حول إمكانية عقد جلسات المحاكم وإدارة الخبراء إلكترونياً وعن بُعد، في ظل التشريعات الحالية المتمثلة بأحكام قانون المرافعات والخبراء والمعاملات الإلكترونية وقانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية.وأول تلك التساؤلات المطروحة يكمن في سماح التشريعات الحالية بعقد جلسات المحاكم وإدارة الخبراء وجهات التحقيق إلكترونياً وعن بُعد من عدمها.وفي حال عدم وجود تلك الموانع والعوائق التشريعية، هل هناك نصوص من شأنها أن تسهم في دعم منظومة التحول التقني من دون إصدار تشريعات بذلك؟!
وللإجابة عن تلك التساؤلات يتعيّن النظر إلى أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية المنظم للمحاكمات التي تخصّ القضايا المدنية والتجارية والإدارية والأحوال الشخصية والعمالية وغيرها من المنازعات غير الجزائية، والذي يتضح منه عدم اشتراط أحكامه على وجوب حضور أطراف الخصومة بأنفسهم أمام المحاكم، وهو الأمر الذي يفتح الباب أمام إمكانية الاستعانة بالحضور الافتراضي الممثّل ببرامج النقل الإلكتروني المعمول بها في عدد من الدول، التي عمدت إلى تحويل إجراءات عقد الجلسات الكترونياً وعن بُعد، بعدها فرضت جائحة كورونا تطبيق إجراءات التباعد في العديد من القطاعات، ومن بينها المحاكم.
تنظيم حضور أطراف الخصومة
ورغم نص أحكام قانون المرافعات المنظم لعقد المحاكمات في القضايا غير الجزائية في المواد 51 و54 إلى 62 إلى أحكام حضور الأطراف أمام المحاكم، فإن تلك المواد لم تشترط وجوب حضور الأطراف ماديا أمام المحاكم سوى ما نصّت عليه المادة 51 بشأن حضور طرفَي الدعوى من تلقاء نفسيهما، لكن تلك المادة لا تمنع صراحة إمكان حضور وكلاء الأطراف أمام المحاكم افتراضيا وعبر تلك البرامج الإلكترونية التي تسمح بالتواصل الإلكتروني عن بُعد.كما أنه بعد الرجوع إلى أحكام بقية المواد من 54 إلى 62، فإنها تنظم حضور أطراف الخصومة أمام المحاكم، وذلك الحضور لم يتم تفسيره بأحكام القانون إلا بالتمثيل أمام الدوائر القضائية، ومثل هذا التمثيل يمكن أن يكون مباشراً عبر التواجد الشخصي للمتقاضين، وإما أن يكون مباشرا كذلك، لكن عبر وسائل تقنية تعمل على نقله.وبشأن إمكانية عقد جلسات الهيئات القضائية في مقار غير قضائية، فإنه بعد الرجوع إلى أحكام قانون تنظيم القضاء رقم 88 لسنة 1990 فقد أكدت المواد المنظمة أنه «تنشأ محاكم كلية واستئناف وتمييز وتنشأ دوائر لها»، كما نصت المادة الثامنة من القانون على وجوب عقد الجلسات في المحاكم، وهو ما يعني أن ذلك الحكم سينصرف إلى عقد الجلسات الكترونياً، مما يعني أن الهيئات القضائية ستعقد جلساتها في مقار المحاكم ممثلة بالهيئة القضائية، في حين أنه بإمكان حضور الخصوم وأطراف الدعوى خارج مقار تلك المحاكم، لأن النص بوجوب عقد الجلسات ينصرف إلى الهيئات القضائية، وليس إلى الخصوم وأطراف الدعوى، والتي اشترطت أحكام القانون حضورهم في الدعوى.ومثل هذا الحضور يكون إما تمثيلاً شخصياً مباشراً، وإما بوسائل من شأنها أن تثبت ذلك التمثيل الذي تثبته المحكمة، وتتمكن من التحقيق من خلاله مع أطراف الدعوى، وتستمع إلى طلباتهم ودفاعاتهم، وهو ما يمكن الأخذ به من خلال البرامج الإلكترونية التي تسمح بالتمثيل الافتراضي الذي يقوم بواسطة تلك البرامج التقنية مقام التمثيل الشخصي، طالما روعيت الضوابط الفنية التي من شأنها أن تبعث الاطمئنان لدى المحكمة بسلامة إجراءات ذلك التمثيل.دعم سلامة الإجراءات
ويمكن الاستناد، دعما لسلامة إجراءات عقد جلسات المحاكم، إلى ما تنص عليه أحكام قانون المعاملات الإلكترونية رقم 20 لسنة 2014 في المادة الثانية منه على انطباق أحكام القانون على المعاملات والإجراءات الإدارية والمدنية والتجارية.ولمّا كانت إجراءات عقد الجلسات تُعد من قبيل الإجراءات الإدارية، الأمر الذي تكون معه إجراءات عقد الجلسات صحيحة طالما روعيت فيها جميع الضمانات الفنية والقانونية التي تكفل للمتقاضين والمحاكمة إجراءها على نحو سليم. وفيما يتعلق بإمكانية تحقيق العلانية في عقد الجلسات التي تعقد عن بُعد لكونها تُعد ضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة التي نصت عليها أحكام الدستور والقوانين الإجرائية المنظمة للمحاكمات، فإنه بالإمكان السماح في مسألة العلانية للراغبين بحضور المحاكمات لعدد غير كبير من المتقاضين الحاضرين لجلسات الـ «أونلاين» بالحضور لتحقيق ركن العلانية الذي تطلّبه المشرّع في سلامة عقد المحاكمات عن بُعد.كما أن ركن العلانية بالإمكان تحقيقه كذلك بأنه رغم نقل المحاكمات عن بُعد، فإن أبواب قاعات المحاكم تكون مفتوحة ومتاحة للجمهور للحضور التقليدي أمامها، بما يحقق ركن العلانية، خصوصا أن أحكام قانون تنظيم القضاء نصّت على وجوب عقد جلسات في مقار المحاكم، ما يعني وجود الهيئات القضائية في تلك المقار، بما يسمح بعقد الجلسات علانية، وأن تكون متاحة للجمهور والاستماع إلى ما يُعرض بتلك الجلسات.ومن جماع ما سبق يمكن التوصل إلى جملة من المسائل؛ أهمها أن القوانين لا تمنع عقد الجلسات عن بُعد، ولا تشترط التواجد والحضور الشخصي للمتقاضين، كما أنه بالإمكان تنظيم حضور الجلسات عن بُعد بواسطة الوكلاء فقط، كما يجوز حضور الطرفين بنفيسهما طالما أقرا بموافقتهما كتابيا على حضور عقد الجلسات الكترونيا، لأنّ المشرّع وإن كان أوجب عليهما الحضور شخصيا، لكنه لم يلزم وكلاءهما بذلك، كما أنه لم يُشر إلى الجزاء الواقع على تصرّفهما في حال مخالفة ما يبعث في الأمر أن النص الوارد في حكم المادة 51 هو من النصوص التنظيمية فقط بشأن الجزاء المترتب من جراء مخالفته.حضور افتراضي
كما يتعين عقد الجلسات وفق حكم المادة 8 من قانون تنظيم القضاء في مقار المحاكم ممثلة بالهيئات القضائية فقط دون الخصوم الذين يكون حضورهم أمام المحاكم عن بُعد بواسطة الأجهزة التقنية.أما بشأن إمكانية عقد الجلسات للمحاكمات الجزائية، فإن النصوص الواردة في أحكام قانون الإجراءات توجب حضور المتهم وأطراف الدعوى الجزائية إلى التحقيق شخصيا، والتوقيع على المحاضر، وكذلك أمام المحاكم الجزائية، كما أن قانون المعاملات الإلكترونية، وفقا لنص المادة الثانية، يمنع إعمال أحكام القانون على المسائل الجزائية، ما يعني عدم إمكانية تطبيق أحكام القانون على إجراءات التحقيق أو المحاكمات الجزائية.وبخصوص إمكانية عقد الجلسات للخبراء إلكترونياً، فإنه بعد الرجوع إلى أحكام القانون، وبعد مراجعة أحكام قانون الخبراء رقم 40 لسنة 1980 والمعدّل بالقانون رقم 25 لسنة 2016، فإنّه بالإمكان عقد جلسات السادة الخبراء إلكترونياً وعن بُعد، لأنّ المشرّع في أحكام هذا القانون لم يلزم عقد جلسات إدارة الخبراء في مقر الإدارة أو التواجد الشخصي للمتقاضين أمام الخبراء، بما يسمح معه عقد الجلسات من قبل الخبراء إلكترونياً عند نظر المأموريات المحالة إليهم من المحاكم.كما أجازت المادة العاشرة في التعديل رقم 25 لسنة 2016 للسادة الخبراء عند إخطار الخصوم للجلسات الاستعانة بوسائل التقنية المعتمدة في القانون رقم 20 لسنة 2014 بشأن المعاملات الإلكترونية أو بواسطة الرسائل الهاتفية، مما يعني أن المشرّع أوكل في مسائل الإثبات بإجراءات التقاضي كالإخطار والإعلان اللجوء إلى قانون المعاملات الإلكترونية، وهو ما يصلح معه الاستناد إلى بقية الإجراءات الأخرى، ومنها عقد الجلسات عن بُعد، ما دامت تلك البرامج المستخدمة قد راعت الضوابط التي أكدها قانون المعاملات الإلكترونية عند عقد تلك الجلسات.سلامة عقد جلسات الخبراء إلكترونياً
أكد المشرع سلامة الإجراءات الإلكترونية في التعاملات الإدارية والتجارية والمدنية، وذلك في حكم المادة الثانية من قانون المعاملات الإلكترونية، حيث نصت الفقرة الأولى منها على أن «تسري أحكام هذا القانون على السجلات والرسائل والمعلومات والمستندات والتوقيعات الإلكترونية ذات العلاقة بالمعاملات المدنية والتجارية والإدارية».كما نصّت المادة الثالثة من القانون ذاته على أن «يكون كل من السجل الإلكتروني والمستند الإلكتروني والرسالة الإلكترونية والمعاملة الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني في مجال المعاملات المدنية والتجارية والإدارية منتجا لذات الآثار القانونية المترتبة على الوثائق والمستندات والتوقيعات الكتابية من حيث إلزامه لأطرافه أو قوته في الإثبات أو حجيته متى أجري وفقاً لأحكام هذا القانون».كما سمحت أحكام القانون للجهات والمؤسسات العامة بإنشاء أنظمة لإيداع المستندات والأوراق الكترونيا، وهو الأمر الذي يسهّل إرسال الأوراق والمستندات إلكترونيا من أطراف الدعوى إلى الخبراء عند عقد الجلسات إلكترونيا.وعليه، فإن عقد جلسات من قبل الخبراء إلكترونيا جائز وفقا لأحكام المواد 2، 3، 26، 27 من قانون المعاملات الإلكترونية، وعلى حجية الأعمال الإلكترونية وسلامتها، وللإدارة اعتماد البرامج الإلكترونية الخاصة بعقد تلك الجلسات والضوابط المقررة لها، وذلك عبر إصدار قرار وزاري يستند إلى أحكام القانون رقم 40 /1980 المعدّل بالقانون رقم 25 / 2016 بشأن الخبراء، والقانون رقم 20 لسنة 2014 بشأن المعاملات الإلكترونية.
● حسين العبدالله
يمكن تنظيم حضور الجلسات عن بُعد بواسطة وكلاء المتقاضين فقط
المشرع أكد سلامة الإجراءات الإلكترونية في التعاملات الإدارية والتجارية والمدنية
المشرع أكد سلامة الإجراءات الإلكترونية في التعاملات الإدارية والتجارية والمدنية