الحنين إلى الماضي يموت آخراً
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
من نواح عديدة، تُـعَـد قومية الحنين الوعكة السياسية الغالبة في عصرنا، فلم يكن أنصار الخروج البريطاني راغبين في قبول تحول بريطانيا إلى دولة عادية متوسطة الحجم بعد قرون من المجد الإمبراطوري، وخلقت خاتمة الهيمنة الليبرالية الأميركية الفرص لقوى ما بعد الإمبريالية مثل الصين وروسيا وتركيا، بل حتى المجر، لإعادة تأكيد مكانتها المفقودة على المسرح العالمي، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة إلى حد كبير من الاقتناع والعزيمة، وحاول ترامب احتواء قوى الطرد المركزي هذه بأجندته «أميركا أولا» التي لا يزال شبحها يطارد السياسة الأميركية.الواقع أن الرغبة الشديدة في العودة إلى أزمان ماضية ليست حميدة بأي حال، وتشكل الاستغاثة العاطفية المنحازة تاريخيا بماض رومانسي المخزون والتجارة التي يعتمد عليه القادة المتعصبون قوميا، فيتحول الحنين إلى الماضي إلى أداة للتلاعب بتصور النظام السياسي للزمن الحاضر، مما يمهد الساحة لتحولات سياسية جذرية وبالغة الخطورة غالبا. إن إحياء لحظات المجد الماضي من الممكن أن تحفز أي نظام سياسي على اختبار الحدود، وخوض المجازفات، وتحدي النظام العالمي السائد، ويرتبط الحنين إلى الماضي والقومية ببعضهما بشكل وثيق، وخاصة في مجتمعات تعاني الشيخوخة السكانية حيث يصبح القسم الأكبر من السكان أكثر ميلا إلى تمجيد الماضي على أنه مثالي.تحدد الـمُـنَـظِّـرة الثقافية الروسية الأميركية سفيتلانا بويم نوعين متميزين من الحنين إلى الماضي: انعكاسي واسترجاعي. الحنين الانعكاسي حميد في عموم الأمر، فهو يدقق في الماضي بشكل نقدي، مدركا أنه في حين ضاعت بعض الأشياء الطيبة، فقد تحققت أيضا فوائد كثيرة على طول الطريق. في المقابل، يسعى الحنين الاسترجاعي ــ الشكل السائد اليوم ــ إلى إعادة بناء ما فُـقِـد. على الرغم من كل الاختلافات الواضحة بين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وغزو روسيا لأوكرانيا، يمثل كلا الحدثين محاولة للانفصال عن حاضر غير سار عن طريق إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فكان أنصار الخروج البريطاني راغبين في العودة إلى عصر الملك إدوارد، أو على الأقل إلى سبعينيات القرن العشرين، قبل أن تنضم بريطانيا إلى المشروع الأوروبي؛ ويريد بوتين العودة إلى عصر القياصرة.ولكن في الأنظمة الاستبدادية لا تستطيع المعارضة الرد بشكل صريح علني على مزاعم النظام التاريخية، ويصبح الحنين إلى الماضي أشد خطورة، وخاصة عندما تغذي جاذبيته العاطفية الشعور الذاتي لدى القائد، وفي مثل هذه الحالات، يتمثل أحد الحلول المحدودة في المشاركة الدولية مع القوى المستبعدة لمساعدتها في التخفيف من إحساسها بالخسارة.* كبير زملاء مركز موسافار رحماني لإدارة الأعمال والإدارة الحكومية في كلية كينيدي في جامعة هارفارد.* إدواردو كامبانيلا