«عزيزة» سليمان الخليفي
هذا الكاتب شديد الحرص على التميز والتفرد بأسلوبهِ الخاص، إذ إنه جعلني أعيد قراءة بعض صفحات روايته "عزيزة"، ليس للمزيد من الاستيعاب، بل للمزيد من الاستمتاع، فهو وظّف ثقافته الواسعة في ميادين الفلسفة والفكر والأدب والشعر، وضمّنها في حوارات الشخصيات التي حرّكها باحترافية قصصية نادرة، وعلى سبيل المثال، فهو يوظّف مقولة الشاعر الصوفي النفري، الشهيرة "كلما اتّسعت الرؤيا ضاقت العبارة" بالشكل التالي:***"إعادة الكتابة، نظرٌ في ما كانَ ليكون،
ما الفرق، صورةٌ فوق مرآة!صورة تحت مجهر؟إعادة الكتابة، إعادةٌ للقراءة، وتأمُلٌ في التكوين:في غاية النفري، من مختزل العبارة لرفاه الرؤية".وفي مكان آخر، يشير إلى تنسي وليامز، في حوارٍ يدور بين اثنين من أبطاله بهذا الشكل:- هل لديكم عربة؟- ليس اسمها الرغبة!- لدينا عربة اسمها النكبة.***الخليفي هنا يكتب لقرائه بما يشبه الشفرة الثقافية، ويفترض في هذا القارئ أن يعمل على فكّ طلاسم تلك الشفرة، فأبطالهُ لا يتحدثون بتلك المسلّمات البديهية، وبألفاظٍ يسترسل فيها الكاتب.. كلا.. فللخليفي مفرداته التي يتميز بها ويتفرّد، ولنأخذ هذا الحوار الغزلي القصير، على سبيل المثال:- تُحبني؟- كأكذب ما يكون الشعر!- يعني لا.- بل أحلى.- هل نفترق؟ - إلا تحت التراب.فالكاتب يوظف هنا مقولة "أجمل الشعر أكذبه"، لكنها جاءت بشكلٍ تلقائي غير مُفتعل، وهكذا دواليك في أغلب الحوارات على ألسنة أبطال روايته، وهم يصولون ويجولون في ترديد ما يضعهُ على ألسنتهم من مخزونٍ ثقافي ثريّ.***لا أريد أن أسرد أحداث رواية "عزيزة"، لكنني سأقف أمام لقطاتٍ من حوارات تدور بين شخصياتها، كالحوار التالي:- تُحبني؟- أحبك، قدر ما لديك من أفعل التفضيل.- أما أنا فسيكون حبي بقدر التنفُّس.* "أفعل التفضيل" - هنا - تدخل في قواميس لغة العرب.***وتمتد الحوارات على مساحة أحداث الرواية، ومنها أن إحدى الشخصيات كانت تريد الطلاق من زوجها:- أعطني ورقتي.- مُستحيل!- إن لم تفعل…...- لم أسمع ما قلتِ. - سأقول لك من؟ ومتى؟***إن المُتعة التي استشعرتها مع رواية "عزيزة" للأديب سليمان الخليفي جعلتني أشعر بالذنب، لأنني تأخرت في قراءتها!