تزامناً مع استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، عبّرت فنلندا والسويد عن اهتمامهما بالانضمام إلى حلف الناتو، فإذا قدّم البلدان هذا الطلب فعلاً فإن الكثيرين يظنون أن انتسابهما سيكون مضموناً، حتى أنه قد يفيد الحلف، ويشمل البلدان جيوشاً قوية نسبياً، حيث تستطيع فنلندا أن تحشد 280 ألف جندي ويتجاوز إنفاقها على الدفاع عدداً من دول الناتو، أما السويد، فهي تملك قوات بحرية قوية ومزايا جغرافية متعددة، لكن هذا التحليل يغفل عن عيب أساسي: قد تُضعِف هذه الإضافات المحتملة نظام الردع الفاعل وتزيد احتمال المواجهة مع روسيا لأن الالتزامات الجديدة تطرح تحديات على الأمن الأوروبي والأميركي في آن.لا يمكن ضمّ فنلندا والسويد إلى الناتو أو كبح عقود من سياسة عدم الانحياز الناجحة فيهما لمجرّد أنهما تشملان جيوشاً أقوى من دول أخرى منتسبة إلى الحلف، وتثبت أحداث أوكرانيا اليوم أن توسّع الناتو يجازف بتصعيد المواجهة وأن عدم الانحياز كان سينعكس إيجاباً على وضع البلد، وينجم الغزو الروسي لأوكرانيا، ولو جزئياً، عن احتمال توسيع الناتو فقد اعتبرت موسكو هذه الخطوة تهديداً لمصالحها الأمنية، ورفض صانعو السياسة معالجة هذه المشكلة طوال سنوات، ولم يكن انتساب أوكرانيا المحتمل إلى الحلف محط تفاوض قبيل الغزو، لكن يشدد ممثلو الناتو والولايات المتحدة على إبقاء باب الحلف مفتوحاً رغم الصراع الأخير.
لا تواجه فنلندا أو السويد أي تهديد متزايد على أمنهما، ولا يرتبط الغزو الروسي لأوكرانيا بزيادة التهديدات المطروحة على دول الشمال، لكنّ إصرار البلدين على التصرف وكأن التهديدات أصبحت وشيكة قد يدفع روسيا إلى رصد تهديد أمني جديد والتحرك على هذا الأساس، فبعد فهم هذه الحقائق وتقييم احتمال تأجيج التوتر بين الناتو وروسيا، قد تتعارض أي ضمانات أمنية إضافية مع أهداف الدفاع والردع، وسيكون احتمال توسيع الحلف إذاً محفوفاً بالمخاطر في أفضل الأحوال وبالغ الخطورة في أسوئها.سبق أن أوضحت روسيا أنها ستردّ بقوة على انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو، حتى أنها قد تنشر الأسلحة النووية في منطقة البلطيق وتغيّر تموضع الجيش لمحاولة التصدي للتهديد الأمني المرتقب، كذلك، قد تَصدر عنها ردود اقتصادية وسيبرانية محتملة، فهذه التطورات كلها قد تؤجج الاضطرابات السائدة وتزيد احتمال تصعيد الوضع وارتكاب الأخطاء في منطقة تتراجع فيها المخاطر الراهنة نسبياً.من المبرر أن يقلق الجميع اليوم من توسّع نطاق الصراع في أوروبا، فهو سيشمل بالضرورة الولايات المتحدة نظراً إلى التزامات الناتو تجاه الدول المجاورة، ولا داعي لتوسيع تلك الالتزامات إذاً أو تغيير البيئة الأمنية المستقرة عبر ضم فنلندا أو السويد، وقد تكون المساعي الراهنة مبررة لكنها قصيرة النظر، فلطالما كان دعم الرأي العام لعضوية الناتو منخفضاً في هذه الدول، لكن زادت نسبة الدعم من 24% إلى 68% في فنلندا خلال أربعة أشهر: إنه تحول جذري بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في شهر فبراير.في هذا السياق، قد تقرر فنلندا والسويد تقديم طلب للانتساب إلى الحلف، وقد يوافق عدد كبير من دول الناتو على هذا الطلب، لكن بما أن الولايات المتحدة هي القوة العسكرية الطاغية، فيجب أن تدرك التكاليف والمنافع المحتملة إذا طُلِب منها أن تستعمل قوتها نيابةً عن الآخرين، وعند التخلي عن سياسة عدم الانحياز التي شكّلت نظام ردع فاعل لفترة طويلة، فلا مفر من أن تتفوق مخاطر تصاعد المواجهة بين الناتو وروسيا على أي منافع عسكرية قد يقدّمها هذان البلدان، وانطلاقاً من الأحداث الراهنة، يجب أن تعارض الولايات المتحدة بكل هدوء انتساب فنلندا والسويد إلى الحلف وتعيد النظر بسياسة الباب المفتوح جدّياً.* كارينا ماريوتي
مقالات
هل يجب أن تنضم فنلندا والسويد إلى الناتو؟
11-05-2022