تأكدت معظم دول العالم مجدداً من تفوّق القوة الصلبة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، فبدأت الحرب الروسية الأوكرانية تدفع عدداً كبيراً من الدول الآسيوية إلى إعادة تقييم حاجاتها الدفاعية، ولاحظ حلفاء الولايات المتحدة الرسميون، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، أن واشنطن ترفض معاداة روسيا رغم فظاعة الغزو الذي تنفّذه وانتهاكها الفاضح للضمانات الأمنية التي تقدّمها الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا إلى أوكرانيا بموجب «مذكرة بودابست» من عام 1994، وبرأي سيئول وطوكيو، يبدو أن المخاوف الأميركية من تصعيد الصراع تبطل واجب الدفاع عن حلفاء مثل أعضاء حلف الناتو واليابان أو كوريا الجنوبية.

قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، بدأت اليابان تزيد إنفاقها الدفاعي على مر عشر سنوات متلاحقة بسبب خوفها من التوسع العسكري الصيني المتسارع وبرنامج كوريا الشمالية النووي، وفي الفترة الأخيرة، أعاد رئيس الوزراء السابق، شينزو آبي، إحياء جدل قديم حين اقترح أن تستضيف اليابان أسلحة نووية أميركية على الأراضي اليابانية، وهو يظن أن تخلي أوكرانيا عن أسلحتها النووية في عام 1994 جعلها أكثر عرضة لهجوم جارتها الروسية التي تفوقها قوة.

Ad

في كوريا الجنوبية أيضاً، لم يعد صانعو السياسة متأكدين من قدرتهم على متابعة الاتكال على الدرع النووي الأميركي، فقد تعهد الرئيس المنتخب، يون سوك يول، بتقوية تحالف سيئول مع واشنطن، وهو يحاول تطوير قدرات الضربات الاستباقية، وتشمل خيارات أخرى مطالبة واشنطن بنشر قاذفات نووية وغواصات في كوريا الجنوبية، ودعا يون أيضاً إلى نشر عدد إضافي من أنظمة الدفاع الصاروخي المضادة للصواريخ البالستية في بلده واستئناف التدريبات العسكرية التي تحصل مرتَين في السنة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، بما في ذلك التدريبات الميدانية التي توقفت في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.

بالنسبة إلى تايوان، سلّطت المقاومة الأوكرانية العنيدة ضد الغزو الروسي الضوء على سيناريوهات مرتبطة باحتمال تعرّضها لغزو صيني برمائي، ونظراً إلى فاعلية الحرب غير المتكافئة التي يخوضها الأوكرانيون، يشدد المحللون التايوانيون على ضرورة أن تستعمل تايبيه التكتيك نفسه وتُركّز على البحر والجو.

في غضون ذلك، تلوح تدابير أخرى في الأفق، فقد أعلن وزير الخارجية التايواني، جوزيف وو، إبرام صفقات إضافية لتلقي الأسلحة الأميركية قريباً، وعلى الصعيد المحلي، تنوي تايوان زيادة إنتاجها السنوي للصواريخ بنسبة تفوق الضعف، ويُخطط البلد أيضاً لإطالة مدة التجنيد العسكري من أربعة أشهر إلى سنة كاملة.

تدرك سنغافورة من جهتها طبيعة البيئة الاستراتيجية المتبدّلة، فقد اعتبر رئيس الوزراء، لي هسين لونغ، أوكرانيا قدوة يُحتذى بها فقال إن قوة إرادة الأوكرانيين للدفاع عن بلدهم تدفعهم إلى متابعة القتال، ويجب أن يتمتع سكان سنغافورة بالإرادة نفسها إذا أرادوا الحفاظ على سلامتهم في هذا العالم.

أما رئيس الفلبين رودريغو دوتيرتي، فقد تجاوز في شهر مارس ماضيه المعادي للولايات المتحدة، مع أنه يعتبر بوتين «صديقاً شخصياً» له، فعرض على واشنطن استعمال المنشآت العسكرية في الفلبين إذا امتدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى آسيا، وفي 21 أبريل دعا دوتيرتي جيش بلده وسلك الشرطة إلى الاستعداد لجميع الاحتمالات.

رفضت فيتنام من جهتها إدانة روسيا مباشرةً، نظراً إلى علاقاتها الحسنة مع موسكو، لكن قد تصبح واشنطن أكثر قرباً من هانوي، بحسب طريقة تعاملها مع الوضع، حيث تدعم الولايات المتحدة تحديث المعدات العسكرية في فيتنام للتصدي للصين، لا سيما في بحر الصين الجنوبي، وتستطيع فيتنام اقتناء الطائرات الروسية الأقل كلفة، ولهذا السبب، قد يُعفى البلد من العقوبات قريباً في حال تجديد التدريبات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وفيتنام.

لا تظن الحكومات الآسيوية بالضرورة أن الحرب ستندلع في المنطقة قريباً، لكن قد تستوحي الصين تحركاتها من النهج الروسي وتستعمل تكتيكات الحرب الهجينة في بحر الصين الجنوبي مثلاً، فقد بدأت الصين تُفبرِك خطابات تاريخية هناك حول الأراضي التي تطالب بها، بما يشبه مطالب روسيا في أوكرانيا، وفي الوقت نفسه، يشبه انتقاد بكين لاستراتيجية واشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ المزاعم الروسية القائلة إن حلف الناتو هو الذي أجبرها على مهاجمة أوكرانيا، وبما أن روسيا استعملت هذا النوع من الخطابات لتبرير هجومها الأخير، فلا مفر من أن يزداد تصميم العواصم الآسيوية على تقوية دفاعاتها في المرحلة المقبلة.

لقد تذكرت أوروبا واقع القوة الصلبة بأكثر الطرق وحشية، ولا تحتاج آسيا إلى خوض تجربة مشابهة للتوصل إلى الاستنتاج نفسه لأنها شهدت صراعات كثيرة منذ الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك دفع الغزو الروسي بالحكومات إلى الاستعداد للصراعات المستقبلية بجدّية غير مسبوقة.

* ويليام شونغ

Foreign Policy