«آسفين، ما نبي صحافة»... جملة بدأت تتكرر كثيراً في الآونة الأخيرة بالجمعيات العمومية، التي ترفض بعض الشركات دخول صحافيين لتغطيتها، مع أن عدد مساهميها يقدّر أحيانا بعشرات الآلاف من المستثمرين.

وعلى الرغم من أن بعض «العموميات» لا تتجاوز مدتها 5 دقائق، والبعض الآخر جمعيات بلا مناقشة حقيقية للتقارير المالية والإدارية، فإنّه بين كل 5 «عموميات» يتعرّض الصحافيون لـ 3 منها تمنعهم من مزاولة أعمالهم، حيث يتفاقم الخوف من الصحافة لدى بعض الشركات المساهمة، مما يشير الى أن هناك جانبا كبيرا يحرصون على إخفائه عن المساهمين، أو ربما، كما قال رئيس مجلس إدارة إحدى الشركات: «نخاف من الحسد»!

Ad

ما يحدث من منع الصحافيين من تغطية «العموميات» ليس أمرا حديثا، بل هي ظاهرة قديمة، وتصاعدت بشكل حاد خلال السنوات الأخيرة، فأين هي الشفافية التي يطالبون بها دائما في تصريحاتهم؟

فهذه شركات مساهمة عامة ومدرجة في البورصة، وليست «عائلية» أو فردية حتى يتم المنع، فمن حق العامة، سواء كانوا مساهمين أو غير مساهمين معرفة تفاصيلها، وتعامل رؤساء مجالس الإدارات مع الشركة، وكأنها ملكية خاصة لهم أمر ينافي ضوابط الشفافية والإفصاح والحوكمة.

فعلى الرغم من حرص بورصة الكويت على ترسيخ وتفعيل بيئة عمل تتمتع بأعلى درجات النزاهة والشفافية، فإنّ سلوك بعض رؤساء مجالس الإدارات يخالف ما تطمح له بورصة الكويت.

ولعل احتفاظ مديري أو ملّاك الشركات بمعلومات الأداء والتقارير المالية لأنفسهم عن طريق منع دخول الصحافيين لتغطية «العموميات» يكون إما محاولة لإخفاء معلومات وبيانات عن المساهمين، فبعض الشركات لا يعني لهم صغار المساهمين شيئا حتى يشاركونهم بالبيانات المالية، وإمّا تكون شركة تواجه خلافات بين ملّاكها وتخشى نشر هذه الخلافات، حيث يؤثر على الشركة، أو ربما أعضاء مجلس الإدارة وكبار التنفيذيين فيها سلبا، وهناك شركات على وشك الإفلاس أو أفلست فعليا، إضافة إلى الشركات التي تعاني مشاكل مالية، وفي كل الحالات يجب عدم منع الصحافيين من تغطية «العموميات»، بل ينبغي إلزام الشركات بالسماح للصحافة بتغطية ما يدور في الجمعيات العمومية.

نفتقد القانون

لا يوجد قانون يمنع الصحافيين من تغطية «العموميات»، ويستطيع الصحافي لو أراد شراء سهم واحد من أي شركة في البورصة قبل «العمومية» أن يدخل كمساهم، لكن دخوله كصحافي خاضع لمزاجية بعض أصحاب الشركات ورؤسائها التنفيذيين، فهناك بعض الشركات تسمح بحضور الصحافيين، لكن بعد الانتهاء من «العمومية»، أي أنها تعزل الصحافي عن الأحداث التي تحصل أثناء «العمومية» وتأخذه بعدها في غرفة مغلقة، حتى يتم تزويده بما يريدون هم نشره من خلاله، وكأنه أداة للتضليل ليس إلّا.

إن ما يخيف في هذه المسألة هو أن تتأصل فكرة منع الصحافيين من تغطية «العموميات»، وتصبح عادة مُعدية، فمن عدم إشراك الصحافة في «العموميات» نستشف أن الوضع قابل للتدهور والوقوع في الفساد، وهو دليل حتمي على تدنّي مستوى هذه الشركات، والتي ستؤثر سلباً مستقبلاً على القطاع المالي إن لم يكن مبدأ الشفافية هو الهدف، فالغرض من الشفافية والإفصاح هو القضاء على الفساد وتشجيع المستثمرين للدخول واختيار الشركات التي تناسبهم من خلال أداء هذه الشركات.

تجربة

وحتى بعض الشركات المساهمة العامة التي طرحت للاكتتاب العام على عموم المواطنين باتت ترفض دخول الصحافة، رغم أنها تشغيلية وذات ربحية، لكنّها أصيبت بعدوى انخفاض الشفافية، ومع تكرار رفض التغطية الصحافية يتضح أنها باتت أقرب الى العادة، وبعض الشركات تدعو الصحافة إلى التغطية، لكن لجلسة ما بعد مناقشات الجمعية العمومية، لأنّ الهدف هو الاستعراض الإعلامي أكثر من نقل المناقشات والأسئلة وأجوبتها، إن وجدت، للرأي العام!

حصة المطيري