منذ أن استقر في لندن، بقيت ريشة الفنان العراقي المهاجر، هاني مظهر، في محراب المعارك الفكرية وبحثه الدائم عن حرّيته وذاته، ليبدأ رحلة جديدة في عالم الرسم الكاريكاتيري وإقامة المعارض الفنية الخاصة.

​وقبل أن يتوقف القلب عن الخفقان، ويعاني سكرات الموت، لفظ ما في داخله من حسرات وراح يناجي نفسه، ويدير حواراً مع أبي فراس، مردداً أحد أبياته الشعرية: "إذا متّ ضمآناً فلا نزل المطر"، لم يخاطبه شاكياً حاله والبؤس الذي يحوم في عقله، "هل من العدل أن أُحرم من وطني ويرتع به اللقطاء"؟ في آخر صورة جمعته مع الأطباء، يطمئن قلبه المتعب بأنّ "الموت حقّ مطلق" وما بعده باطل.

Ad

بدأ ​الفنان هاني مظهر في جريدة القبس، أوائل الثمانينيات، ملازماً للفنان الراحل ناجي العلي، وعندما هاجر إلى لندن ليعمل في صحيفة الحياة، شعر بأن المهمة تضاعفت أعباؤها، وسرعان ما التصقت رسوماته بلافتات الشاعر أحمد مطر، صديقه الدائم في الغربة.

​كان يدرك أن الكاريكاتير العربي لا ظهر له إلا حماية اجتماعية أو سياسية، فالدور المنوط به يحتاج إلى تضحية، وهمّه أن يضيء الطريق للآخرين.

​أغلب رسوماته يطغى عليها طابع الحزن والألم، كما يقول أحد النقاد، فهو فنان متعدد المواهب، مصمم فني ورسّام ساخر، ومتجدد في فن اللوحة التشكيلية.

​يعتبر أن الكاريكاتير العربي جاء من رحم الصحافة، حمل ملامحها وعاداتها ووطأتها عليه وتقاسم معها شجونها، فنحن كما يقول في مقابلة له "لا نملك تقاليد كاريكاتيرية خارج حدود الصحافة"، ويضيف: "انكفأ الكاريكاتير العربي لأنه لم يجد التقاليد الاجتماعية التي تحميه، ولأنه السياسي الذي لم يقتنع بأن الكاريكاتير مثل ضوء القمر ينشر ضوءه على أرض الله الواسعة، لكنّه لن يضيء دهاليز السياسة إلا ليفضحها".

​أقام عدة معارض فنية له في لندن، ومن بينها معرض عام 2001 استوحاه عن الشاعر الصوفي الحلاج، واحتوى على 30 لوحة منفذة بالزيت والأكريليك.

​هاني مظهر من مواليد عام 1955 وخريج معهد الفنون الجميلة في بغداد سنة 1976.

​كان حزيناً على ما وصل إليه العراق من خراب وتدمير طال معظم مناحي الحياة، وعنده أن "الضباع تفترس" هذا البلد، وما على الآخرين سوى حماية ذواتهم ووجودهم.

حمزة عليان