عن الاغتراب البيئي... ثروة في باطن الأرض
الحديث هذه المرة ليس عن النفط أو المعادن الثمينة في مناجم القارة الإفريقية، بل عن أمر آخر قلما اهتم به الناس في بقعتنا من العالم بل تناساه الكثير حتى في أماكن مختلفة حول المعمورة، نعم إنها النفايات وتحديداً مرادم النفايات، فقد كانت النفايات حول العالم، ومنذ زمن ليس بقريب تردم وبشكل مكثف قبيل دخول التقنيات المختلفة لإعادة التدوير، ومن ثم دخول ثقافة تقليل وتقنين الاستهلاك حفاظا على البيئة، وشيئا فشيئاً بدأت المرادم بإنتاج الطاقة المختلفة من خلال هضم البكتريا للنفاية العضوية وانبعاث غاز الميثان وهكذا، إلا أن الحديث اليوم يتمحور حول ما تعارف عليه باسم «تنقيب المرادم» أو باللغة الإنكليزية Landfill Mining بمعنى معاملة النفاية المردومة في باطن الأرض كثروة (وهي فعلا كذلك) واستخدام المرادم كخزانات مؤقتة فقط قبيل تنقيب الأرض وإخراج النفايات مرة أخرى والاستفادة منها... وهكذا.عرفت المرادم حول العالم بأنها مصدر رئيس للملوثات البيئية وتخريب البيئة الحضرية بشتى أشكالها، وعليه بدأ التفكير تزامنا مع تطور التقنيات المختلفة المتصلة بإعادة تدوير وتثمين النفايات، باستخلاص النفايات مرة أخرى واستخراجها من الأرض والقيام بالاستفادة منها قبل أن تسمم البيئة، ويشترط بالطبع أن تكون مثل هذه النفايات صالحة للاستخدام كلقيم متجدد مستدام بعد فترة قصيرة في الأرض وألا تفقد خصائصها البتة، لا سيما الكيميائي منها، ولو بنزر يسير، فقد بدأ الأوروبيون، ومنذ زمن، بالتفطن لأهمية الحفاظ على البيئة ومعالجة القصور في الاتحاد الأوروبي، خصوصا فيما يتعلق بإدارة النفايات، وعليه شرع الاتحاد الأوروبي حزمة قوانين منبثقة من نتائج سنين في البحث والتطوير العلمي تتصل بإعادة التدوير والتركيز على تثمين النفايات وخلافه والأهم هو الوصول إلى إغلاق عدد كبير من المرادم الخاصة بالنفايات، وهذا فعلا ما كان، ولعلي أشير هنا إلى عدد من تلك القوانين كمثال على جدية الاتحاد الأوروبي في التعامل مع المسألة كقانون أو لائحة رقم 31/1999 وEC-98-2008 وهي تتعلق بإدارة النفايات وتعزيزها بشكل جاد في دول الاتحاد. كل هذا كان من شأنه، على سبيل المثال، أن يرفع من كفاءة إعادة التدوير للمواد البلاستيكية وتقليل ردم النفاية العضوية في دول الاتحاد الأوروبي كذلك، وحينما تزامنت كل هذه التشريعات مع عدد من المشاريع التي بدأت منذ زمن فيما يتعلق بتنقيب المرادم، أصبح الحل واضحا والنهج العلمي أكثر فعالية للاستخدام العملي، وعليه بدأ عدد من المشاريع حول العالم باستغلال النفايات وإصلاح مواقع الردم وتربتها لإنتاج الطاقة البديلة عوضا عن الأحفورية مخففة بذلك البصمة الكربونية والأثر البيئي لها. يوجد لدينا عدد من مؤشرات النجاح والدلائل العلمية لنجاح مثل هذه التجارب في دولة الكويت، وتزامنا مع تدشين مرادم صحية، وجب علينا التفكير الجاد في استغلال المرادم السابقة والحفاظ على ما تبقى لنا من إرث بيئي يسهم في جودة حياة عالية للمستقبل القريب.
على الهامش: البدء بإصدار تراخيص مزاولة إعادة تدوير النفايات الكرتونية مؤشر جيد من وزارة التجارة، ولكن الأهم الآن هو العمل على توحيد مواصفات المنتج المرجو أن يدخل السوق، وكذلك تشجيع خلق أسواق «خضراء» لفائدة الدولة والمواطن... عموما أتمنى ذلك في ظل الحكومة المستقيلة والحالة التي يشهدها الشارع السياسي اليوم.