ألقت التحديات المتعلقة بالحرب الأوكرانية والتخفيض المفاجئ لقيمة الجنيه في مارس الماضي بظلالها على تعافي الاقتصاد من آثار الجائحة، وساهمت في ارتفاع الأسعار وكبح الإنفاق الاستهلاكي والتأثير سلباً على الاستثمار والسياحة، وكذلك توسيع العجز المالي والخارجي. وحسب تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، تشير التوقعات إلى تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي بشكل كبير خلال الأرباع القادمة، إذ تشير التقديرات إلى تباطؤ النمو، وذلك بعد أن شهد ارتفاعاً ملحوظاً في أعقاب الجائحة بنسبة 8.3 بالمئة، على أساس سنوي، في الربع الرابع من عام 2021 ليصل إلى نحو 3 بالمئة في الربع الثالث من عام 2022. إلا أننا نتوقع تجنّب دخول الاقتصاد المصري في ركود عميق، مع ازدياد مرونة الاقتصاد والتي قد بدأت في التحسن منذ تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي عام 2017 - ونتج عنه ارتفاع مستويات احتياطي العملات الأجنبية، وتراجع معدلات التضخم من أعلى مستوياتها المسجلة وتقلّص العجز المالي - كما أن تراجع قيمة الجنيه المصري حتى الآن (15 بالمئة) كان بمستوى أقل بكثير عن المستويات التي شهدناها عام 2016.
من جهة أخرى، احتشدت دول مجلس التعاون لدعم مصر وتعهدت بضخ 22 مليار دولار في هيئة استثمارات وتمويلات، ويبدو أن برنامج صندوق النقد الدولي الجديد (الذي قد تصل قيمته إلى نحو 7 مليارات دولار) قد يدخل أيضاً حيز التنفيذ. ونتوقع أن تتعافى وتيرة النمو بنهاية عام 2022 مع العودة إلى مستويات ما قبل الجائحة وتسجيل معدل نمو قد يصل إلى نحو 4 بالمئة في بداية عام 2023، بافتراض عدم تعرّض الاقتصادي العالمي لضغوط شديدة، ومع استمرار التزام الحكومة بتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تباطأ خلال الجائحة.
زيادة عجز المالية العامة
ستؤدي الضغوط إلى إبطاء وتيرة تحسن وضع المالية العامة في السنوات الأخيرة - وإن كان بصورة مؤقتة. وعلى الرغم من تداعيات الجائحة، فإن العجز كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي تقلص إلى 7.2 بالمئة في السنة المالية 2020/ 2021 بفضل تراجع فاتورة الفوائد (نتيجة انخفاض أسعار الفائدة). إلا أن مستوى العجز سيتسع مرة أخرى هذا العام ليصل إلى 8.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في ضوء الضغوط الجديدة التي يتعرّض لها النمو الاقتصادي والنفقات، بما في ذلك تزايد معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة. وفي واقع الأمر، فإن معدل نمو الإنفاق (12 بالمئة على أساس سنوي) تجاوز بالفعل معدل نمو الإيرادات (9 بالمئة) في فبراير 2022. إلا أنه من المتوقع أن تستقر مستويات العجز في السنة المالية 2022/ 2023 مع تراجع أسعار السلع وبدء تعافي الاقتصاد.من جهة أخرى، وصل مستوى الدَّين العام إلى 87 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في يونيو 2020، وسيؤدي خفض قيمة الجنيه المصري إلى زيادة مستويات الدين الخارجي بنحو 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بالعملة المحلية.ونتوقع أن تنخفض نسبة الدّين بمرور الوقت، نظراً لارتفاع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي والتزام الحكومة بخفض العجز المالي. إلى جانب ذلك، هناك عدد من العوامل التي من شأنها تعزيز إمكانية الوصول إلى أسواق رأس المال من ضمنها ارتفاع أسعار الفائدة، وتوافر مستويات مريحة من احتياطي النقد الأجنبي، وأسعار الصرف التنافسية، والدعم الخارجي من صندوق النقد الدولي.إلا أن ارتفاع مستويات الدين نسبياً وفاتورة الفوائد الكبيرة (التي تمتص نحو 38 بالمئة من إجمالي النفقات الحكومية) ستحدّ من قدرة الحكومة على إعادة توجيه الأموال إلى أوجه الإنفاق ذات الأولوية، بما في ذلك برامج البنية التحتية والتخفيف من حدة الفقر.تراجع عائدات السياحة
تعرّض الدَّين الخارجي للضغوط، بسبب عدد من العوامل المختلفة من ضمنها تأثر قطاع السياحة بتداعيات الجائحة وأسعار الصرف التي كان مبالغا فيها سابقاً. واتسع عجز الحساب الجاري إلى 1.1 بالمئة من الناتج في السنة المالية 2020/ 2021 في ظل تراجع عائدات الصادرات بنسبة 51 بالمئة - والتي كانت تعادل في السابق حوالي خُمس إجمالي الإيرادات التجارية. وسيصل مستوى العجز هذا العام إلى 2.9 بالمئة من الناتج في ظل ظهور ثلاثة عوامل إضافية على الساحة، ألا وهي: انخفاض عائدات السياحة بسبب حرب أوكرانيا (إذ كانت روسيا وأوكرانيا تدرّ أكثر من 30 بالمئة من دخل السياحة في مصر قبل الأزمة)، إضافة إلى تأثير ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وضعف قيمة الجنيه المصري، وانعكاس ذلك على فاتورة الاستيراد. ومن المتوقع تقلص مستوى العجز في السنة المالية 2022/ 2023 نتيجة للضغوط الناجمة عن الواردات، وتراجع أسعار السلع الأساسية، وتحسُّن أنشطة السياحة والتجارة بدعم من تراجع قيمة الجنيه.واستقر الجنيه نسبياً عند مستوى يقارب 18.5 جنيها مقابل الدولار، من أدنى مستوياته المسجلة منذ تراجُعه في مارس. ويبدو أن الجنيه يلقى دعماً أفضل عند هذا المستوى، وذلك على الرغم من حالة عدم اليقين التي تحيط بآفاق النمو.وتشير أسواق العقود الآجلة إلى أن الجنيه قد يشهد المزيد من التراجع العام المقبل، وقد يؤكد صندوق النقد الدولي ضرورة مرونة الجنيه كجزء من أي صفقة. وانخفض صافي الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي بنحو 10 بالمئة خلال مارس في ذروة تصاعد الضغوط الخارجية، إلا أنه بوصولها إلى 37 مليار دولار ما تزال أكثر من ضعف مستويات ما قبل عام 2016 بما يكفي لتمويل الديون الخارجية المستحقة هذا العام، والبالغ قيمتها 7 مليارات دولار.